ما بعد الشارع ..بقلم: أنور الخطيب

ما بعد الشارع

بقلم: أنور الخطيب

بعد انطلاق الانتفاضة اللبنانية بأيام، بدأ الهمس يدور في المخيمات الفلسطينية في لبنان مصحوبا بالتذمر الشديد من الأوضاع البائسة التي تعاني منها المخيمات، سكاناً وبنيةً تحتية وخدمات، التذمر من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتذمر من الفصائل والتنظيمات واللجان الشعبية، وهناك تذمّر ثالث من الفلتان الأمني والأخلاقي الذي تمارسه فئة تستغل الفوضى وغياب سلطة الدولة وتراخي التنظيمات وتهرّبها من القيام بواجبها التوعوي الوطني والمدني، وبالتالي إن ما يعاني منه الشعب اللبناني من فقر وفساد واستزلام ومحسوبيات وفوضى والتلكؤ في تطبيق القانون، يعاني منه الشعب الفلسطيني، مع فارق أن المخيمات تحكمها شريعة الغاب، وهذا كلام لا مبالغة فيه، القوي يأكل الضعيف ويستبد به ويتنمّر عليه.

مرت فترة تقارب الخمسين يوما على انطلاق الانتفاضة اللبنانية، ولم تحقّق سوى استقالة رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، تحقّق ذلك خلال العشرة أيام الأولى، ولا نريد الخوض هنا في سبب الاستقالة أو التدخل الخارجي والأجندات وما يُشاع، لكن حسب تصوّري، فإن هذه الانتفاضة لن تحقّق شيئا على المدى القريب، لأن السياسيين في واد (صمٌ عميٌ كأنهم لا يفقهون)، والمنتفضون في واد آخر، ويفصل بينهم جدار عازل للصوت، والدليل أن المنتفضين يتحدثون عن حكومة تكنوقراط غير سياسية وغير طائفية، والأحزاب يقومون بترشيح رجالهم ليكونوا في الحكومة، ويتواصلون لتقاسم الحقائب الوزارية، وهو أمر مدهش، والدهشة ليست في صمّ الآذان، وإنما في القناعة الراسخة عند السياسيين أن البلاد (هيك مركّبة) ولن تنجح أي حكومة غير مغطاة سياسيا. فعلا أمر مثير للاستغراب والسخرية.

بالنسبة للفلسطينيين، سيشبه حالهم حال اللبنانيين إذا ما قاموا بانتفاضة، لن يحققوا شيئا يذكر، بل إن أحدا لن يستقيل، فالأونروا منظمة دولية وليست فلسطينية، ومدعومة بشكل رئيس من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض دول الخليج العربية، وتمارس عملها منذ سبعة عقود تقريبا، وعلّمت الفلسطينيين الاتكال، وزعماء الفصائل والتنظيمات يائسون بائسون مستسلمون لتراكم الخراب والجهل، يتسيدون الناس ويتحكمون بلقمة عيشهم وبالملاليم التي لا تكاد تسد رمق أتباعهم، وكل من ينتفض ضدهم أو يعارضهم أو ينتقدهم سيُفصل ويُجمّد مخصصه وراتبه وسيُتهم بالعمالة لسفارات أجنبية والخيانة الوطنية، زعماء ومسؤولون ينهبون الميزانيات ويتركون الللاجئين في جهلهم يتخبطون ويقاتلون بعضهم بعضا، فإن تحدث واعٍ عن التنمية البشرية والنظام والقيم والنظافة والأخلاق والوعي أو عن فلسطين كرابط مقدس تجمعهم وتحرم دمهم وأموالهم وأعراضهم وبيوتهم على بعضهم بعضاً، ينبري كثُرٌ من العامة والمسؤولين فيقولون بلسان واحد: (يا عمّي وين هذا عايش) أو (من أي كوكب أنت؟)، كناية عن الاستسلام للخراب المستشري، الذي يضرب منظومة القيم، متناسين أنهم هم من صنع هذا الفلتان بتجاهلهم واستبدادهم وبلطجيتهم، وتغييبهم للبرامج التنموية والتوعية الوطنية والأخلاقية. وستساهم الانتفاضة الفلسطينية، إذا تمت، بالمزيد من الخراب والفقر.

الشعب اللبناني انتظر أكثر من ثلاثين عاما وصبر على غياب الدولة وعلى ترهّل البنية التحتية والعتمة والفساد والرشوة وبيع أصواته في مواسم الانتخابات، حتى أنه شارك في كل هذا الدمار الإنساني والوطني للمؤسسات والبيئة وهيبة الدولة والقانون، وحين انتفض تم توجيه التُّهم إليه بالعمالة، وانطلق الحديث عن مؤامرة إقليمية وعالمية، ولا أعلم العلاقة بين الانتفاض ضد الفساد والمطالبة بحكومة مدنية متخصصة، وبين المؤامرات، ترى هل الولايات المتحدة الأمريكية منعت حل أزمة الكهرباء وشجعت على الاستزلام والفوضى وتكدّس النفايات في الشوارع، ومنعت صيانة الصرف الصحي وتنظيف المجارير؟

الشعب الفلسطيني في المخيمات في لبنان، منذ أكثر من خمسين عاما وهو يرزخ تحت الفقر والفوضى والاستزلام والفساد وتآكل القيم وغياب التنمية المجتمعية، تفكك المجتمع الفلسطيني في المخيمات وأضحت صورته مقرونة بالمجتمع المتوحش المتخلف ولهذا لا أحد يفكّر في زيارته، وزاد المشهد خرابا بعد خروج المقاتلين من بيروت في العام 1982، حتى وصل اللاجئون إلى هذا الدرك السفلي، بسبب إهمال الزعامات وتمسكهم بالمناصب واستمراء الشعب واكتفائه بالقليل.

المقارنة بين الحالتين تقودنا إلى سؤال: ما هو الحل؟ هل في الإبقاء على الطائفية والفساد والفقر وتلوث المؤسسات والتجبّر بالناس واستعبادهم بدريهمات قليلة ووساطات وحماية، أم اللجوء إلى وسائل قد تكون أكثر جدوى يقودها الشعب بجرأة تقترب من العمل الانتحاري المستند إلى الأمل بالحياة؟ خاصة أن الصوت السلمي لن يُسمع المسؤول الفاسد، والتظاهر المؤدب لن يُثني الأزعر ويعيده إلى أخلاقياته.

الخروج إلى الشارع لن يرهب الفاسدين المهملين، والشعارات والأغنيات ستواصل الاصطدام بالجلود الإسمنتية، ولهذا، يبقى الحل في تنظيم الجيل الصاعد من اللبنانيين والفلسطينيين لتحركاته، ودراستها جيدا، واختيار أهدافه بعناية، واستهدافها بحرفية شديدة ومؤثرة، ولا بأس من التحول إلى أشباح لإحداث المزيد من الإرباك والتوصل إلى مخرجات.

https://alyoum8th.net/News.php?id=607

اترك تعليقاً