حسناً.. سأخرج من ديارِكمُ
وألهو بالمسافات الأليفة
تلك ال تقاسمني الهواء
ولا تمِنّ عليّ بحفنة من أوكسجين
سأخرج، مثلما يخرج سائح من قلعة أثرية
نحو الفضاء المشجر بالأناشيد الحديثة
حيث الأصدقاء من الطيور
أعلمها كيف تشيّد بيتا من حجارة الحنين
تعلمني، كيف أطير بلا أجنحةٍ
وبلا مدى
وكيف أقسّم حنطة قلبيَ بين الطيبين،
وعندما يأتي المساء سأحضن سروة بايعتُ ظلها
فأهدَت ريشتي علوّها
وبايعتني سحابةٌ ماطرة
لأرسمكم على جذوع الذاكرة
لست عاقاً، كما ترون؛
سأحملكم على خيمة الشعر
وألقي بها للريحِ
قد، تعود إليكم
محملةً بالقوافي المُسرَجات على الحسان
لست بخيلا، كما ترون، أهديتمونيَ الماء
وأهديكم بحاراً من الأساطيرٍ
ربما،
أسطورة عشتار التي هاجرت عشقاً
وآلهة من الطين..
حسناً، سأخرج من دياركمُ
وليكن كلُّ شيء جديدا
الفراغ جديد
والهواء جديد
والمدى جديد
والمكان الذي سكنته مجبرا
ومجبرا أغادره نحو منفاي الجديد،
واسمحوا لي، سأصطحب الصدى
لي فيه أغنياتٌ من الشوق المبجّل
لي، قصائدُ الغزلِ اللصيقةُ بالجميلات
وبوحِ الأمكنة
ولي، في سهولكم صهيلُ الأحصنة،
سأحملها على ظهري؛
ما عاد يحتمل العصيَّ
ولا ثرثة المياه الآسنة،
حسناً.. سأخرج من دياركمُ
ولكن،
لا تكتبوا التاريخَ بعد خروجي فوق الغيابِ،
دعوه لي
سأخفيه في بردةِ السجن الانفرادي مائة عام
ولتتعفن،
نُطف الحكايا في الدهاليز حتى ينقرض
لا أريد تاريخا بلا جغرافيا
ولا تضاريس بلا عاشقين
سأخرج كالظلال بلا مَتاع ولا وَداع
وإذ تضجَرون لا تتبعوني
لا تُتْبعُ الخيالاتِ عند انتصاف الليلِ
فإذا سمعتم صهيل خيل قولوا لأطفالكم:
“ناموا، الظلال لا تعود
وما تسمعونه.. صدى لهمس الجدود”
وإن قال كِباركم : نسمع شعرا وجودياً
ويهجرنا حزيناً وبعيدا
قولوا لهم: مياه النهر تمشي عكس مجراها
وما تسمعونه لعنة السدود
موجٌ تكسر عند الحدود