هنا نلتقي|
مِن أجْل عينيّ هاني السالمي
28 – 08 – 2019
بقلم: أنور الخطيب
هاني السالمي؛ أديب فلسطيني، عُمره أربعون عاماً، متزوج ورزقه الله أربع بنات، يعمل بائع قهوة على رصيف في مدينة “خان يونس” بقطاع غزة، عمل قبل استقراره في “بسطة القهوة” حمّالا ودهاناً وأعمالا أخرى ليعيل أسرته وليواصل القراءة والكتابة، فقد سُدت الأبواب كلها التي طرقها على أمل الحصول على عمل يليق بمكانته الأدبية والثقافية وفشل، لكنه لم ييأس، تمرّد على الواقع، وقرر قبل عام نقل أواني المطبخ الخاصة ببيته وكرسيين وغاز الطهي الصغير ليبدأ في بيع القهوة.
هذه المعلومات حصلت عليها الصحفية “ريما السويسي” ونشرتها في صحيفة “الجديد الفلسطيني”؛ بعد إجراء لقاء مع هاني الذي قال: “عشقي للقهوة التي رافقتني في سنوات كتابتي هي التي قادتني لفكرة بيعها كي أبقى قريباً منها ومن سحرها الذي تمارسه علي شخصيتي، في البداية خجلْتُ لدرجة أنّي بكيت جداً حيال وقوفي ككاتب مبدع أمام بسطة لبيع القهوة، ولكن التضامن معي من قبل أصدقائي والزبائن رفع معنوياتي؛ خاصةً حين أجتمع مع زبائني وأصنع لهم القهوة ونقرأ قصصي وكتاباتي”.. هكذا يعمل الأديب “هاني السلامي” من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً ليحصل على ما يسد رمقه وعائلته.
“هاني السلامي” ليس كاتباً ناشئاً أو هاوياً، أصدر 12 عملا أدبياً مميزاً للكبار والفتيان والصغار من بينها: “الندبة” التي حصلت على لقب أفضل رواية في مسابقة “جائزة مؤسسة عبد المحسن القطان” عن فئة الروائي الشاب. ورواية “حين اختفى وجههن” لليافعين، ورواية “هذا الرصاص أحِبه” وحصلت على لقب أفضل رواية شابة على مستوى فلسطين، ورواية “الجنة الثانية” وحصلت على لقب أفضل خامس رواية على مستوى الوطن العربي، وتمت طباعتها في الجزائر. ورواية “ماسة” وتتحدث عن بنت سمراء تزرع أرضها المجاورة لجدار الفصل العنصري، ووزعت هذه الرواية على كل مدارس اللاجئين الفلسطينيين في العالم، وقصة للأطفال اسمها “الظل يرقص معي”، وفازت بجائزة شعار “تشجيع حملة القراءة والكتابة”. ورواية “المسيح الأخير، وتتتحدث عن تناقص عدد مسيحيي قطاع غزة مؤخراً.
كتب على صفحته في الفيسبوك: (الابتسامة مبللة بمرار القهوة وتعب الرصيف، وكلما دمعتُ أشكر الغبار الذي يرسو في عيني، حتى لا افضح قهري من الأيام، كل ما اريده أن اقرأ واكتب يا الله..) و (لا وقت عندي لأضحك على الرصيف، لأن المارة يحتفظون بدموعهم لموت الرصيف.(
الكتابة عن “هاني السلامي” كحالة إبداعية ونضالية تستدرج الحديث عن واقع المؤسسة الثقافية الفلسطينية ووزارة الثقافة الفلسطينية واتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، هذه الكيانات الثقافية يجب ألا ترضخ لمنطق الكآبة والهزيمة وتظهر عجزها بتكرار أحاديث مهترئة عن الواقع المر، الذي يختفي حين تقوم المؤسسات في رام الله بتنظيم مؤتمرات أدبية ومهرجانات فنية تكلف ميزانية السلطة مبالغ طائلة، وقد يتبجح مسؤول هنا وقيادي هناك بأنه لا يستطيع تأجيل أو إلغاء مهرجان من أجل عيون هاني السلامة. كلا يا سيدي، يجب أن تُلغَى جميع المهرجانات والمؤتمرات، وتُرشّد الميزانيات، وتُلغَى الامتيازات الخاصة بالمسؤولين، ويُخصم من رواتبهم ورفاهيتهم من أجل توفير حياة كريمة لكاتب ومبدع، هكذا تتصرف الحكومات النظيفة الراقية والشعوب المتحضرة.
إن البَدل الذي يتقاضاه مسؤول عن سفرياته يمكّن “هاني السلامي” من تأمين مستلزمات أطفاله المدرسية وتحسين ظروفه الأسرية وأيضا لنقُل تطوير “بسطة القهوة”. أما القبول بمشهد مبدع يبيع القهوة -وهو ليس عيباً- والاعتياد عليه، والمرور به يومياً هو تعودٌ على الهزيمة، في الوقت الذي يتشدق المسؤولون السياسيون بالإصرار على النصر في مواجهة المحتل الإسرائيلي. لن تنتصر يا سيدي في حربك مع العدو إذا لم انتصرت على الظروف المشينة التي تحيط الكتاب والمبدعين.
هذه ليست مناشدة إنسانية للمسؤولين الفلسطينيين في “غزة” و”رام الله” لأنهم يعلمون بأمر هاني، وأنا واثق من هذا، وهذه مقالة لا تخص هاني وحده، إنما هي لتسليط الضوء على ظاهرة مخزية، إنها الهزيمة الحقيقية التي يجب الانتصار عليها لإبراز الوجه الحضاري للشعب الفلسطيني، إن صراعنا مع العدو يبدأ من هنا وليس من الدواليب المحروقة وطاولات المفاوضات.
———————–
بقلم: أنور الخطيب
شاعر ورورائي فلسطيني
جريدة المشهد
http://www.almashhad.online/Post/details/113662