ما يفعله الحب
أنور الخطيب
من صاحب الفضل على المبدع حتى أصبح مبدعا؟ هل هو المكان، أم وسائل الإعلام،أم النقاد أم القراء ، أم الأهل ؟
كثيرون من ضيقي الأفق يعتقدون أن عنصرا أو أكثر من خارج المبدع قد يلعب دورا حاسما في تشكيل هذا المبدع أو ذاك. ومع الاعتراف بالأثر الذي يمكن أن يلعبه هذا العنصر الخارجي، إلا أن المبدع يولد ومعه سماته وصفاته، ومن يتتبع حياة المبدعين الكبار، منذ صغرهم حتى أصبحوا كبارا، لوجدهم متميزين عن أقرانهم تميزا قد لا يروق لعلماء النفس, إذ أنهم سيلصقون بهم أسماء الأمراض النفسية من الإنطوائية إلى الاكتئاب حتى يصلوا إلى أن هذا الطفل مهموم بأمور لا يدركها أصدقاؤه ولا حتى أولياء أمور أصدقائه .
وأعتقد جازما أن المبدع يصنع نفسه بنفسه، في أي مكان يوجد فيه، وفي أي مناخ ، وفي أي ظرف اجتماعي، ولا يلعب الفقر أو الغنى ذلك الدور في تشكيل هذا المبدع أو ذاك، أو في عطائه وتميزه وتفوقه . لأنه بكل بساطه يبحث بنفسه عن الأسئلة التي تدور في رأسه صغيرا، وتكبر معه، فيتولد عنها رؤى هي انعكاس لمعاناته في رحلة البحث عن أجوبة لتلك الأسئلة، التي تحدد بدورها فكره ونظرته وتعامله مع محيطه، وسلوكه مع أفراد مجتمعه أو مع نفسه. حتى أنه يشكل قيمه الخاصة به، والتي يترجمها في إبداعاته .
هو النازف أبدا بلا شريك يقاسمه دمه المراق على أرصفة الليالي وساحات العزلة ، هو اليقظ أبدا في مواجهة ما يعتقده بياتا وسكونا ، هو الصارخ أبدا في وجه ما يظنه صمتا ، هو المتحرك أبدا في دائرة يحسب أن كل من فيها غشاهم النوم والبلادة . هو كذاك المغني الذي قلت فيه:
عندما يهرع الناس للرقاد،
يقفل المغني أبواب المدينة، يرمي
قفلها في الظلام ويمشي في الضجيج ..
أمر واحد له الفضل في تشكيل المبدع، إنه الحب ، سيد العواطف وسلطان القلوب ومفجر اللغة وموسع القواميس ومبتكر المفردات ومهذب الروح ، وخالق الضمير، والمبدع الحقيقي هو نتاج شرعي لهذا الحب بكافة صوره، هو الذي يعلمه التسامح ويعزز في عينيه نظرة المحبة لكل ما هو جميل، هو القادر على خلق الإبداع والأفكار والصور.
والحب ليس تلك العاطفة المشوهة التي يتلفظ بحروفها ما هب ودب، وليس هو الحب في حد ذاته، إنه ما يترك في الفؤاد وما يحرك في الخلايا وما يؤسس في المدى من أمل، إنه باعث الفكرة وصانع الحياة في المحبة والمحبة في السلوك . إنه المهرة التي تأخذ المبدع إلى سماء من التجلي وسط تظاهرة من الصهيل الساخن .
المبدع الذي يعرف هذا الحب أو عرفه ولم يتميز في عطائه ولم يتفجر في عمله أو نصه ليس جديرا بأن يسمى مبدعا، وسيكون عالة على الإبداع .
هناك نصوص أنشف من أرض قاحلة متصحرة، ، ينقصها الخضرة والندى والعطر ، وهناك نصوص تحلق فيك وبك منذ السطر الأول ، وتنقلك إلى حيث تشتهي أو حيث تشتهيك أن تكون، والفرق بين النصين مبدع محب عاشق طرب بالكون، بكل أفراحه وأحزانه، بكل حياته وموته . فالطرب حالة من التوحد بالموضوع، حالة من الإخلاص له، حالة لا تتكرر إلا عند المحبين ..
سالت الارض والسماء….. سالت البحر والماء….وجبت كل الأجواء …. فوجدتني اصرخ في عمق روحي …..تراودني الأفكار …. وتغرقني الأحلام ….. تفرحني وتخيفني….. تفزعني وتغرقني في بحر الألوان ….ارسم همسات العصافير …. وشهقات شقائق النعمان …..رموزا تسكب عطرهاعلى سواحل كل الشطءان….
أهلا بك الفنانة التشكيلية الكبيرة السيدة عطاف نصري، جميلة هذه الكلمات، أنت أديبة وفنانة رائعة، كل الشكر والتقدير سيدتي