فساد الضمير الثقافي
بقلم أنور الخطيب
مثلما يتشرذم المجتمع العربي بفعل آفة الشقاق السياسي تتشرذم الساحة الأدبية والثقافية، ومثلما يحكم خطاب دبلوماسي مهترئ ومفضوح العلاقات العربية العربية، يحكم الحراك الثقافي والإبداعي نفاق عالي المستوى ومرتفع النبرة دون خجل، يرافقه موت الضمير النقدي الفعال والمواجه. ينسحب هذا على ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي والندوات والأمسيات التي تتناول إصدار هنا وآخر هناك، وتسودها البهرجة وحقن اللغة بجميل الكلام والوصف بما يغاير المضمون، كما ينطبق على معظم الجوائز الأدبية الروائية والشعرية التي باتت محط استهزاء وسخرية للمتابعين.
يقول المفكرون إن الواقع السياسي يلقي بظلاله على الواقع الثقافي ومجالات الحياة كافة، فيرتدي الأخير ملامح الأول ويسلك مسلكه، لكن القيادات الثقافية تقول أن الثقافة هي آخر خط دفاع عن الهوية والأمة وعلينا التمسك بها والحرص عليها، لكن القول يخالف الممارسة ويضحضها.
إن نظرة سريعة على الهياكل النقابية ومنها اتحادات الكتاب والأدباء تظهر أن بعض الاتحادات ظلت تحت إدارة شخص واحد لعشرات السنين، وانتقلت عدوى هذه الملكية الاستبدادية إلى الحاضر، يحدث هذا في ظل انتخابات تُعقد كل أربع سنوات، وحديثا سمعت رئيس اتحاد الفنانين لدولة ليست ذات سيادة يصرح بخيلاء أنه في منصبه منذ 32 عاما، والسبب أنه لم يجد من يحمل المسؤولية عنه! يا إلهي كم هي الشعوب عقيمة ومجتمع الأدباء والمثقفين عاقر. ألا يستوي النقابي المستبد في هذا المضمار مع الرئيس الذي يحكم على مدى أربعين عاما، أو الرئيس الذي يطمح لكتابة كرسي الرئاسة باسمه مدى الحياة.
هناك نفاق سياسي شعبي، وهنا نفاق ثقافي أدبي، وفي الحالتين يبرز الفساد الموغل والمتوغل على مستوى القاعدة والقمة.
المسألة واضحة جدا، وفي عصر الفضاءات المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن تغطية الحقيقة، ألهذه الدرجة فسد الضمير الأدبي، الإبداعي، الثقافي؟!
لن يتغير هذا الواقع طالما يتفشى النفاق والنميمة والكذب في جسد الثقافة، وطلما يخضع المثقف لإملاءات السلطة، وطالما يغيب النقد الحقيقي عن الحراك الإبداعي، وطالما تحولت قضايانا المصيرية إلى احتفالات فلكلورية، وطالما يتم التعامل مع المبدع وفق انتمائه السياسي، ويتم إهمال المستقل صاحب النظرة الشمولية المنتمي للوطن فقط وليس لحزب أو تنظيم أو طائفة أو مذهب أو معتقد.
إذا كانت الثقافة هي خط الدفاع الأخير عن الأمة فأبركم بأن الثقافة بواقعها الحالي ستساهم في في تحطيم هذا الخط. وإلى أن يصحو الضمير الثقافي لهذه الأمة، وإلى أن يستعيد المثقف نبله كفارس راق ومقدام، سيبقى التراجع ينخر المجتمع، وتبقى الشخصانية سائدة إلى أن تتشوه الهوية بكل مكوناته وعناصرها وشخوصها.