البيان التضليلي للقمة العربية في تونس
اعتراف واضح بالكيان الصهيوني وعدم دراية بالأوضاع الداخلية لدولهم وتضليل الشعب
صدرت بيانات كثيرة عن قمم أكثر للدول العربية، لكن البيان الختامي للقمة الأخيرة التي عقدت في تونس كان عبارة عن حقل ألغام، ويدل على أن قادة الدول العربية لا يعرفون ما يدور خلف الكواليس، أو أنهم يعرفون ويدعون عدم المعرفة ويصدرون بيانات غريبة ومضللة. فالبيان الختامي للقمة العربية الأخيرة في تونس التي عُقدت في الأسبوع الأول من شهر نيسان/ أبريل 2019 جاء ضبابيا ومربكا ويعترف بوجود الكيان الصهيوني المسمى (إسرائيل)، ويلغي المواجهة العسكرية ويستبدلها بالمفاوضات والسلام، وتضمن البيان الكثير من اللغة الإنشائية المكررة والمغالطات والقليل القليل من المواجهة، ولم يذكر الولايات المتحدة بالاسم تجنباً للمواجهة مع الرئيس الأمريكي ترامب.
إن قراءة متأنية للبيان تكشف الآتي:
• لا يزال القادة العرب يغالطون أنفسهم حين يوقعون على بيان يقول (نحن قادة الدول العربية المجتمعون في مدينة تونس بالجمهورية التونسية ..)، وهذا غير حقيقي، فالمجتمعون ليسوا القادة الوحيدين للدول العربية لاسيما بعد انطلاق (الربيع العربي) في العام 2010، فهناك مجموعات وفرق تشاركهم الحكم، ويتضح هذا في سوريا وليبيا وسوريا والعراق ولبنان واليمن والصومال) وهذه المجموعات لها قيادات تتمتع بقواعد جماهيرية كبيرة ولها سلطات واسعة ومناطق نفوذ.
• اكتشف بيان القمة العربية (بعد الحروب الداخلية والنزاعات بين الدول العربية، وبعد الحروب الأهلية في أكثر من دولة، وبعد الصراعات الطائفية والمذهبية وتدخل كل بلد في شؤون البلد الآخر أن ما يجمع البلدان والشعوب العربية أكثر بكثير ممّا يفرّقها، بفضل قوّة الروابط الحضارية العريقة والتاريخ والمصير المشترك، وعرى الأخوة ووحدة الثقافة والمصالح المشتركة…). ويلاحظ هنا أن البيان يستخدم كلمة (الشعوب) وليس الشعب العربي.
• وكعادة كل قمة تكون فلسطين هي مركز المزايدات ولهذا ركز البيان الختامي للقمة الأخيرة (على المكانة المركزية للقضية الفلسطينية في عملنا العربي المشترك وفي كلّ تحركاتنا في المحافل الإقليمية والدولية…..ونؤكّد، أنّ تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، يرتكز بالأساس على التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية ولمجمل الصراع العربي الإسرائيلي..). ولو دققنا بهذه الفقرة بالذات لوجدناها أخطر ما في البيان الختامي، لأنها تحصر الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية بالدبلوماسية الإقليمية والعربية، وتشير بوضوح إلى قبول القادة العرب بالكيان الصهيوني (إسرائيل) كدولة في المنطقة، ويطالبون بتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية ولمجمل الصراع العربي الإسرائيلي، إذ كيف سيتم هذا من دون الاعتراف ب(إسرائيل). وبالتالي تشير الفقرة إلى استعداد عربي للاعتراف بالعدو الإسرائيلي، والمطالبة بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 يزيد المسألة وضوحا، بل إن ذكر القدس الشرقية كعاصمة للدولة المذكورة يؤكد أحقية (إسرائيل) بالقدس الغربية، وبالتالي الاعتراف بنقل السفارة الأمريكية للقدس.
• القمة العربية (تدعو المجتمع الدولي إلى مواصلة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأنروا”، وتأمين الموارد والمساهمات المالية اللازمة لميزانيتها وأنشطتها بهدف تمكينها من مواصلة تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين.) وهذا يعني أن قضية اللاجئين ستستمر إلى أمد غير منظور.
• القمة العربية تنصلت من حماية الفلسطينيين وطالبت المجتمع الدولي بتوفير الحماية، فقد جاء في البيان (فإنّنا ندعو المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي إلى تحمّل مسؤولياته في توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني…). وهذه الفقرة تعكس العجز العربي عن توفير الحماية للفلسطينيين.
• دعت قمة تونس دول العالم بـ(عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم نقل سفاراتها إليها، التزاما بقراري مجلس الأمن رقم 476 و478 بهذا الخصوص…)، كان يجب أن يحددوا معنى كلمة القدس هنا.
• تؤكد الجامعة العربية على (وحدة ليبيا وسيادتها، ونجدّد رفضنا للحلول العسكرية ولكلّ أشكال التدخّل في شؤونها الداخلية). ولم يكد حبر البيان حتى اندلعت الاشتباكات بين قوات خليفة خفتر والسراج وانتصر الحل العسكري وبدعم من دول أعضاء في جامعة الدول العربية. فقرار تأييد حفتر كان جاهزا في الوقت الذي كُتب فيه البيان.
• تجدد الجامعة العربية الحرص (على ضرورة التوصّل إلى تسوية سياسية تنهي الأزمة القائمة في سوريا..) بينما لم تعد سوريا حتى اللحظة إلى جامعة الدول العربية. في مغالطة كبيرة وعجيبة.
• يقر البيان الختامي للقمة (أنّ الجولان أرض سورية محتلة، وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي..) بينما لم يجرؤ البيان على ذكر الولايات المتحدة التي اعترفت بضم العدو الإسرائيلي للجولان.
• يؤكد المجتمعون على (التضامن الكامل مع الحكومة السودانية في جهودها لتعزيز السلام والتنمية، وصون السيادة الوطنية) وهذا أمر محزن يدل على غياب المعرفة بالشؤون الداخلية للدول، إذ تمت الإطاحة بالرئيس عمر البشير وبتأييد بعض الدول العربية بعد القمة بأيام قليلة.
• يجدد البيان دعمه لجامعة الدول العربية، باعتبارها حاضنة العمل العربي المشترك، ونؤكّد على ضرورة تسريع نسق مسار تطويرها واستكماله باتّجاه إضفاء مزيد من النجاعة والفعالية على أداء أجهزتها، بما يمكّن من تفعيل الدور العربي واستعادة زمام المبادرة في معالجة الأوضاع والقضايا العربية وإيجاد الحلول والتسويات المناسبة لمختلف الأزمات والصراعات). وهذا اعتراف واضح بعجز جامعة الدول العربية..التي لعبت أدوارا متناقضة على مدى عشر سنوات وخضعت لأوامر خارجية فيما يتعلق ب(إرحل..)