رسالة إلى الشهيد عمر أبو ليلى

رسالة إلى الشهيد عمر أبو ليلى

 

رسالة إلى الشهيد عمر أبو ليلى بعد الانحناء لهامتك والصلاة على روحك والسلام على دمع أمك أقبّل دمك، وأعانق عصب زندك، وأسافر في صرختك، وأحيط مفاصل ساقيك بالتعاويذ الأرضية والسماوية والكونية، وأهديك من أرض الشتات واللجوء والمنافي وطناً يسكن الأجنّة القادمين إلى الحياة، وحلماً طفلاً عمره سبعون عاما، بدأ يخضرّ بعد استشهادك، لينمو شجرا برياً تزحف جذوره لتأخذ زادها بانتظار دم عُمر آخر ينحت في جدار المدى زهورا وبحارا، وأنهارا يغتسل فيها الرّسل الجدد. أعلمُ يا بُنيَّ أنك كنت تتابع المفاوضات بين القردة والقردة، فخرجت بمقولتك: (أسمع وأرى وأتكلم)، وأعلمُ أنك كنت تنتظر منذ ولدتَ مصالحة بين الهياكل العظمية المرتدية لحما فاسداً، فخرجتَ بمقولتك: (لا رجاء من المترددين). وأعلم أنك أشهرت دمك لا يأساً من زعيق القردة واستمناء المصالحة، وإنما لتقول الكلمة الفصل، وتضيء الدرب لمريديك يا شيخ الطريقة الأسمى والأقدس. إن ما فعلته يا عُمر صلاةً خالصة لوجه التراب والفقراء والمهمشين واللاجئين، وعبادة نقية خاشعة قدمت فيها روحك قربانا على مذبح العودة، ولهذا كنتَ أكثر وطنية من المقاولين وجامعي الضرائب وعاشقي الأغاني اليهودية، وأكثر إيمانا من المطالبين بهدنة تمتد لعشرين عاما مع العدو! ولكنني يا (أبو ليلى) تمنيت لو أنك انقضضت كنسر على منتفخي الوجوه من النوم السلطوي، غرست خنجرك في كروشهم الممتلئة بطعام الفقراء واليتامى، ووجهت بندقيتك للسفلة المجتمعين حول طاولات العهر والتنسيق الأمني، وصرخت في وجوههم بما قاله الشاعر العظيم مظفر النواب (القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها، ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها… وصرختم فيها أن تصمت صونا للعرض فما أشرفكم.. أولاد الـقحبة هل تسكت مغتصبة!؟). وتمنيت أن تحرق وتقتل كل من يصادق على صفقة القرن، وكل من يتنازل عن حق العودة ويروّج للتوطين.. تمنيت أشياء كثيرة لم تسعفك الحياة لتنفيذها، لكنني على ثقة من أن شاباً في مثل عُمرِك الآن، قد يكون صديقك أو زميلك أو جارك أو معجباً بك، يؤمن إيمانا راسخاً بأن من سرق حياتك يا بُني ليس الرصاص الإسرائيلي، وليست القذيفة التي جعلتك ترتقي لمنازل الشهداء والرسل والأنبياء والقديسين، وإنما من سرق حياتك هم الذين يلعبون الروليت في كازينو الوطن، ويحلمون بمضاجعة تسيفي ليفني وميري ريجيف بعد لعق حذائهما، ويبنون قصورا على جماجم أبناء المخيمات. يا عُمر يا بُني.. سيكتب الشعراء قصائد كثيرة ثم يذهبون للبارات ليمارسوا أحزانهم وهزائمهم، وسيدبج السياسيون خطبا يصعدون بها على دمك، ثم يتجهون مباشرة للاعتذار من السيد السائد نتنياهو وقائد التحالف ترامب، وقد يكون أحدهم أكثر وقاحة فيدين العملية (الإرهابية) التي نفذتها وسيقول (هذا مش وقته أبدا)، وسيطنب (محبو ثقافة السلام والحوار الحضاري) والمؤمنون بالأمر الواقع ليظهروا (متحضرين) أمام العالم القذر. لكنك ستواصل صعودك غير مكترث بنزولهم وانحطاطهم، وغير عابئ بسلامهم وتحضرهم. يكفيك يا (أبو ليلى) أنك نسفت أحلامهم وأربكت خططهم وحظيت بلعناتهم، هذه اللعنات المباركة التي سترتد إليهم عاجلا. أعلم يا ابن أمك أنك لست الشهيد الأول ولن تكون الأخير، وأكاد أرى رؤية العين ألف عمر يخططون الآن لطعن ألف فاسد وخائن وجبان ومتاجر ومتسلق ومنبطح، لتنظيف البيت من نفاياته، فالثورة تنطلق من البيوت النظيفة، فلا بأس لو استُخدم الأسيد وماء النار، لا بأس لو حُرق هذا الإنجاز القزم الذي جعل الفلسطينيين ينتظرون الراتب وصدقات الدول المانحة، والعودة إلى نقطة الصفر، فهي أطهر من هذه المؤسسات التافهة التي فرّخت لصوصا تافهين. سيتهمني كثيرون باللاوطنية وباللاواقعية، وربما يطلبون رأسي لأنني أقدس الشهداء وأطالب برؤوسهم، فلا بأس، أليسوا من منع الرواتب عن أسر الأسرى والشهداء رضوخا لمطالب نتنياهو السافل باعتبارهم يحرضون على العنف وأنهم إرهابيون. إن كان ما قمتَ به يندرج تحت الإرهاب فليكن إرهابا، وأعدك بكتابة قصيدة (في مديح الإرهاب). وأنهي رسالتي التي لم تنته بالانحناء لهامتك والصلاة على روحك والسلام على دمع أمك، التي نمت في حضنها كطفل قبل ذهابك لتنفيذ العملية. وحين أتاها الخبر زغردت، كمن أتاها الطلق، أو كمن بُشّرت بمسيح جديد. والسلام عليك، يوم ولدت ويوم استشهدت، ويوم تُبعث حيّا.

أنور الخطيب 

اترك تعليقاً