مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي للشاعر أحمد محمد إبراهيم

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي للشاعر أحمد محمد إبراهيم

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي

الشاعر أحمد محمد

أحمد محمد إبراهيم أحمد

جُرحٌ فِي خَاطِرِ النَّشِيدِ، والبِلَادُ تَنْزِفُ سُكَّانَهَا وَالشَّجَر، فُتُورٌ فِي مَفَاصِلِ ضَحْكَةٍ لِعَائِدٍ مِنْ الحَربِ الأَهْلِيةِ، سَيْفٌ يَبْكِي غِمْدَهُ الغَائِبْ: يَا بَيتِيَ الأَزَلي و يَا مَوتَ العَرَاءِ، مَوتَ الحَربِ ومَوتَ المَوتْ، عُدْ لِي يَا حَبِيِبي قَبْلَ أَنْ تَقْضِي عَلَيَّ وُحُوشُ الصَدَأ، عُدْ لِي يَا حَبِيِبي فَقَدْ سَئِمتُ مِنْ رَائِحَة الدِّمَاء، نُوَاحُ الأَرَامِلِ والأُمَهَاتِ، عُدْ لِي لِأَنَامَ عَلَى الِجدَارِ طَيِّبَاً ومُسَالِمَا..

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي

لَحْنٌ يَفِرُ مُنْ مُكْبِرَاتِ الصَّوتِ لِيَدْفِنَ رَأَسَهُ فِي كَثِيِبِ الصَّمْتِ خَوفاً مِنْ عَازفٍ لَا يَعرِفُ النّوتة المُوسِيِقِيّة، عَتْمَةٌ تَقَفُ فِي حُنْجُرَةَ الضُوءِ والقَمَرُ يَكُحُّ لِإِخرَاجِهَا، صَيَادُونَ يَرمُونَ شِبَاكَهُم فِي السَرَابِ لِإِصِطِيَادِ الحُورِيَاتِ، سَحَابَةُ تُثَرثِرُ مَعَ جَارِهِا قُبَيلَ قُبْلَةٍ عَابِرَةٍ، هَوَاءٌ يُحَرِكُ النّوَافِذَ كَمَا يَفْعَلُ رَاقِصُوا البَالِيه، مُزَارِعٌ يَرْمِي بِصِنَّارَةِ الدُّعَاء لِيَصِيِدَ غَيْمَةً شَارِدةً، حَقْلٌ يُوَبَّخُ جَدْوَلاً هَرَّبَ المَاءَ إِلَى مَكَانٍ مَجْهُولٍ، رَائِحَةٌ تَفُوحُ مِنْ إِبْطِ شَارِعٍ عَاطِلٍ، شَذاً يُسَرِّبُ أَخبَارَ الوَردِ لِعُمَالِ نَظَافَةٍ فِي حَدِيقَةٍ عَامَةٍ، حِذَاءٌ مُنْكَفِءٌ عَلَى وَجْهِهِ يَنْعَلُ حَظَ المَارَةِ المُسرِعِينَ إِلَى حَيْثُ لا يَعْمَلُونَ ولَا يَعلَمُون، فَلَّاحٌ عَلَى فِرَاشِ المَوتِ يُوُصِي نَخلَهُ بِأنْ لَا يَذهَبَ إِلَى الخَمَّارَةِ أَبَدَاً.

الوَقتُ تَمَاماً الآنْ

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي

جُرحٌ فِي خَاطِرِ النَّشِيِدِ، والبِلَادُ تَنْزِفُ سُكَّانَهَا والشَّجَر، شَاعِرٌ تَقْلِيِدِيٌّ يَبْحَثُ عَنْ إِبْرَةِ المَجْدِ الّتِي ضَاعَتْ فِي كَوْمَةِ قَشِّ الحَدَاثَةِ ويدّعِي بأنَ النَثرَ نَبتَةٌ شَيطَانِيَةٌ، نَاقِدٌ يَصْطَدِمُ بِعَتبَةِ النّصِّ والطَبِيبُ يَأمُرُهُ بِقَرَاءَةِ:(والشُعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ) حَتَّى يَتَسنَّى لَهُ الشِّفَاءَ مِنْ أَزْمَة المُصْطَلَحِ.

الوَقْتُ تَمَامَاً الآنْ

شِتاءٌ قَارِسُ الخُطُوَاتِ يُنَاوِشُ جِلْدَ أُغْنِيَتِي،

هُتَافٌ قَابِعٌ فِي قَاعِ ذَاكِرَتِي..

وَهُنَا

وَطَنٌ مُلقَى عَلَى حَدِّ السَّكَاكِينِ،

أَشْلَاءٌ مِنْ الأَحْلَامِ تَدعَسُهَا

حَوَافِرُ العَبَرات.

والنَظَراتُ تَفضَحُ قُبحَ مَافَعَلْتهُ.. أَصَابِع ُالجَلَادِ،

كَسَادُ الحَاضِرِ المَمْزُوجِ بِالكَذِبِ المُؤلّهِ

والشِّعَاراتِ.

أيَا مَنْ بَاعُوا خَيلَ خَلَاصِنَا غَصْبَاً مُقَابِلَ لَعقَةِ الشَّهْدِ،

أنَا مَا بِعْتُ حُنْجُرتِي لِأَجْلِ نُعُومَةِ النّهْدِ.

مَا طَأطَأتُ رَأسَ يَرَاعيَ للِطَاغُوِتِ

ما عرَّضْتُ وَجْهَ الشِّعْرِ لِلسُلْطَانِ،

ولَا أَلبَسْتُ قَافِيَتِي ثِيَابَ الغِشِّ والزِّيِفِ

ولا َأَعْطَيتُهَا وَعْدَاً.. بِخُبزِ حَرَارَةِ التّصفِيق،

ولِي قَلَمٌ يَبُوحُ بِسِرِّ تَكْوِيِني..

وتَعدِيِنيِ .. إِذَا مَا شِئتُمُوا

طِفْلاً .. يَصْعُدُ عَالِيَ الأَشْجَارِ

يَجلِسُ قَاصِيَ الرُّكنِ مَعَ أَقَرَانِهِ فَرِحَاً

يَبُثُّ الأَرْضَ أَفْرَاحَاً تُعَبِّرُ عَنْ شَقَاوَتِهِ.

يَصنَعُ مَركباً أَبيَضَ.. يُعَلِّمُهُ خُطَى الإِبحَارِ

عَكْسَ الرِّيِحِ والتَّيَّار..

عُنْوَانِي وُجُوهُ القَومِ .. ذَوِي الظَّعْنِ إِلَى اللهِ

سَكَنْتُ قُلُوبَهم وطَناً ونِمْتُ تَحْتَ حَرَازَةٍ فِي النّبْض..

عُيُونٌ تَمنَحُ الشّمْسَ .. خُطَى الإِشرَاقِ..

وإذَا مَا غَاظَ صَيفُهُمُوا .. تَلَفُّحُوا عَاجِلَ الدّعَوَاتِ

واعْطُوا لِلمَطَر بَرقَاً.

أنَا مِن كُوش*

ومِنْ عُمْقِ مَوَاجِعِ الْخُرطُومِ،

مِنْ مَرَوِي* كَذَا عَلَوَه *..

بِلَادٌ أَنْجَبَتْ مُوسَى..

مَهْدُ الهِجْرَةِ الأُولَى..

فِي يمُنَايَ تَناَم ذِي دَارفور*..

ونَارٌ تجَرِي فِي لُغَتِي مَجَازِاً إسمُهَا سِنَّار*.

أنَا مِنْ سُمرةِ الإِنْسَان

بِلادٌ ِإسمُهَا السُّوُدَان

لَعَمْرِي هَذَا يَكْفِينِي..

أَرْسُمُ فِي تَلَاوِيِني

فَتَاةً مِنْ ذُرَى الأَبنَوسْ

تٌؤثِثُ قلَبَهَا العَاجِيِّ بِالّرّقَصَاتِ والمَانجُو

تَرُصُّ كَرَاسِيَّ التّرحِيبِ

تُشْجِينَا .. تُوزِّع حَلوَةَ التَطرِيبِ

تُنسِينَا لَيالٍ أوغَلَتْ فِي الحُزن.

تُصْلِّحُ يَاقةَ النِّيلِ – عِنْدَ البَابِ – قُبْلَ خُرُوجِه لِلبَحْرِ،

– كَانَتْ تِلْكُمُ الكَلِمَات مِنْ صَقْرِ جِديَانٍ يُخَاطِبُ عُمْلَةً وَرَقِيّةً،

وَيبَكِي عَلَى مَجدٍ تَبعثرَ بَينَ أيدِيِ السَاسَةِ البُلَهَاء،

وَوَحِيدُ القَرنِ يُربِّتُ عَلَى كَتِفه..

الوقتُ تَمَامَاً الآنْ

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي

جُرْحٌ فِي خَاطِرِ النَّشِيدِ، والبِلَادُ تَنزِفُ سُكَانَهَا والشَّجَر. عَجُوزٌ تَنثُرُ أُمُومَتَهَا عَلَى حَمَامٍ وطُيُورٍ بَائِسَةٍ، طِفْلٌ يُفْزِع طَائِرَانِ يُؤَدِيَانِ صَلَاةَ الخُصُوبَةِ، عَاشِقٌ يَفتِلُ حِبَالَ الصَّبْرِ تَحتَ ظِلِ ذِكرَيَاته ويَسأَلُ الرَيَاحَ عَنْ تُفَاحَةِ آدَم، عَوانِسُ يَستَأجِرنَ طَائِرةَ الأَمَلِ لِلحَاقِ بَقَطَارِ الزَواجِ الّذِي فَاتَهُنَّ بِبِضعِ سِنِين، سَيِّدَةٌ تُطِلُّ مِنْ شُرفَتِهَا وهِيَ تُعَايِّنُ إِلَى صُورَة ِزَوجِهَا المُهَاجِرِ، تُدَاعِبُ ضَفَائِرَهَا ثُمَّ تَتَحسَسُ مَكَاناً مَا فِي فَرَاغِهَا العَاطِفِيّ..

الوَقْتُ تَمَامَاً الآنْ

مَطَرٌ يَتَرنّحُ فِي دَمِي

دَمْعٌ ونَحِيبٌ.

الدَّمْعُ فَاكِهَةُ البُكِاء،

نُضُوجُ العَبرَةِ فِي طَنَاجِرِ المَآقِي.

ماءٌ تَفلَّتَ مِنْ قُنَنِ الخَوَاطِرِ

واْنفِعَالاتِ الدَّوَاخِلِ،

إِسْتِدرَارُ الخُدُودِ لِغَيمِ المَوَاجِعِ…

بِذَا ..

فَاقَ العَاشِقُ مِنْ نَوبَتِهِ

واْسْتَرسَلَ قاَئِلاً:

الحُبُّ

لَسْعَةٌ مِنْ نحَلِ الحَبِيَبةِ

نَمْلٌ يمَشِي عَلَى جِدَارِ الرُوحِ،

وشوَشَةٌ فِي أُذُنِ القَلْبِ.

الحَنِينُ

أَسْئِلةٌ تُفَتِّشُ عَنْ مَلَامِحِ غَائِبٍ فِي أزِقَةِ الغُربَةِ

إجترارٌ لِمِا فِي سَنَامِ الذّكْرَى

مِن شَغَبِ الَحَكَاَيا

إِنْحِرَافُ الآن عَنْ مَجْرَى هُوِّيَتِهِ

تَقَاعُسُ الأَحلَامِ عَن المَسِير،

والبَحثُ عَنِ المَاضِي الوَثِير.

الفَرَحُ

قِطٌ يَعبَثُ بِحَبلٍ يَتَدلّى مِنْ نِهَايَةِ سَريِرٍ

سُرُّ لِغِيَابِ صَاحِبِه.

الِّلقَاءُ

مَوتُ الكَلَامِ وحَيَاتُه الأَبَدِيَة

شَمْسٌ تَسْكُبُ نُورَ الرَّغبةِ فِي أَوعِيةِ الَجَسَدِ

ونَحْنُ نَنْسِبُ لِلقَمَرِ الضِّيَاء

نَتَسَامُرُ تَحْتَ فِضَّتِهِ

نُبَهْرِجُ أْرْجَاءَ الطُّرُوسِ بِعَاطِرِ الكَلِمَاتِ

نَهْزُجُ عَلَى شَرَفِ الحَبِيبَةِ

نُعَبِّءُ الأَوتَارَ أنْغَاماً

أَلَا أيّتُهَا الممّشُوجَةُ مِنْ رَهَجِ العَنَابِرِ

وثَبَجِ القَصَائِد.

حَديِثُ الّليلِ فِي دَوحَةِ العَاِشقِينَ،

إنْدِلَاعُ الشّوقِ فِي عَرَصَاتِ الضُّلُوعِ،

إصْطِلَامُ القَوَافِي فِي حَضْرةِ وجهِكِ المَنْحُوتِ

في شَفَقِ المَغِيْبِ،

إحِتِضَارُ الآهَةِ عِنْدَ صَهِيلِ خَيْلِ النَّشوَةِ العُظْمَى

مَدُّ البَحرِ الّذِي يَتَمرّغُ فِي آَثارِ قَدَمَيْكِ،

وجعُ فِي خَاصِرةِ الكَلَامِ المُكَبّلِ بِفُضُولِ الحَاضِرِينَ.

ألَا أيّتُهَا المُسْرَجَةُ فِي وُضُوحِ النِّسَاءِ الفَاتِنَات،

عِنَاقُ العِطْرِ لِلشّوَارِعِ المُترَعَةِ بِالسَالِكِينَ،

إِشتِهاءُ الوَقتِ لِرغبةٍ كَانَتْ فِي مَاضِي الخَلِيقَةِ

بِأنْ يَسنُدَ رَأسَهُ عَلَى حِجْرِ أُنثَى وَلَو بَعْدَ حِينٍ

ثُمَّ يَسقُطُ مِنْ قَافِلَةِ التَوارِيخِ الذّمِيَمَةِ

رَقصَةً

أو رَعشَةً

تُسَاوِرُ الشِّفَاهَ عِندَمَا

يَصُبُّ واكِفُ الإِفصَاحِ بَغتَةً:

أحِبُك يَا …

أُحِبُك يَا …

احبك ياوطن

  1. أحمد محمد إبراهيم قال:

    هذا النص ظللت أشتغل عليه خمسة أشهر متواصلة لا يغيبني عنه إلا النوم و الغيابات المبرره، شكراً لهذا الإحتفاء

    1. admin قال:

      الشكر الوافر لك وتعبك على هذا النص الجميل الفريد يا صديقي الشاعر

اترك تعليقاً