واقف خلف منصة
لا قصائدَ على مائدة الشعر…
لا بوحَ شيطانة هاربة من وادي الظلام
لا سيداتٍ يسرّحن سحرهن في مرايا العقيق
لا مراهقين يمارسون هواية التصفيق
واقف بين صمتي واعتلال الطريق
وللعنة ما، قررت فتحَ بعض المغاليق
فوسْوَسَتْ لحتفي الحروف
لأقرأ ما قالت الكعبة للمنجنيق،
ارتبكت، وصرت في مرمى الحريقِ
وكدت أجثو: يا نارُ كوني ..
فتذكرت: مسرحي الآن مقفل،
والعيون تحملق بي
في انتظار ما يَدُلُّ لا ما يُدلّل
في انتظار ما يشير بإصبعين
للقتيل المقتّل
لدي كل الكلام واللا كلام
وقلبٌ منزّل
يرتل ما لا يرتَّل
مفعم بالخيانة والعشق
والقليل الضليل والكثير المضلَّل
تسللت نحو قلبي..
وجدته يلعب الشطرنج
يبدل خيلا هنا بقلعة هناك
يبدل نبض الحبيب بنبض الغريب
يفرش في الشرايين ما تيسّر من وطن ترمّل
انطلقت كباشق يمارس العشق
مع من تحِلُّ ومن لم تُحلّل
وقلت بعد ذاك الخراب المدلّل:
لأُلقي خطبة للفراغ المبجل
قد يقود الكلام إلى غريبين في شارع مبلل
إلى سائرين في قطار معطل
ثمة كأس تراودني منذ ستين مقتل
يرفعها الذاهبون في غيّهم
يرفعها العائدون من غيبهم
وأنا بين هذا وذاك رأسٌ معطّل
وفكرة، تكتسي ماءها
ساشربها الآن دفعة واحدة
بِصِحةِ الداخلين لحفلة زار ومنجل
بصحة المنتظرين في معقل تعقّل
بصحة من تسرب مني ولم يخنّي
من تسلل لي كالملاك
لأقتُلَه أو لأُقتَل
ففي الحالتين أمضي إلى حيث لعبتي:
كأس مليء بدمي
وكأس مليء بحنظل،
حروف تمارس البغي
أمام وجهي المغفّل،
لم يهدِني الوقت شالا لأستر أحرفي
هدّني العريُ والعجزُ لكنني اكتشفت:
مسرحي الآن مقفل.
لا أحد يقدمني للكراسي
فالكراسي منازل تتنزّل
ثمة لعبة غامضة منذ ولدت
من محفلٍ إثر محفل
لا أحدَ يصفق للاكلام المجوقل
ثمة صمتٌ منذ أبجدية التيه
والكر والفر، عبلة والمهلهل
صمت تناسل فرّخ فخر قبائل
شعرا يقبّل كف الولاة
إذا المال أقبل
صمت تنحنح صار حدودا نشيدا ومعقل
صمت تجشأ، صار حديث الحداثة،
ما بعد بعد الحداثة
صار للصمت مفردات
تقول ما لا يقوّل
تذكرت لعبتي والناسَ والحروفَ والكراسي
والمفرداتِ والدفوفَ والوحيَ المؤجل
وفجأة، قدمني هارب من قومه
كانوا يصنعون آلهة ويأكلونها
فقلت: لخولة أطلالٍ ..
ثم قدمني هارب إلى قومه
كانوا يصنعون آلهة فتأكلهم
فقلت: آن للفارس أن يترجل!
لم يصفق القادمون نحوي
ولا الخارجون مني
لم تستح الجهات
لم تشكل جملةً مفيدةً لهذا الشتات
تذكرت في غمرة العبث المحلَّل:
مسرحي اليوم مقفل. #أنور_الخطيب