أنور الخطيب لصحيفة الثورة السورية: ويستمر الطوافون حول أصنامهم.. التي صنعوها

أنور الخطيب لصحيفة الثورة السورية: ويستمر الطوافون حول أصنامهم.. التي صنعوها

حوار الفضاء..

«أنور الخطيب»..«ويستمر الطوَّافون حـول أصنامهـم.. التي صنعـوها»

ثقافة
الأربعاء 13-12-2017
هفاف ميهوب

25323412_187415778505351_1226644574_n

مبدعٌ، أنصفهُ التميُّز مُذ بدأ بعزفِ موسيقا الشعر الذي أحالهُ إلى نبضٍ لقصصهِ ورواياته المشبعة بلغته الشعرية.. اللغة، التي ولأنه استشعرها تروق لـ «سيدة التعب» قصيدته، سعى لإزالة مافيها من «ألفة متوحشة» لينادي بعدها حبيبته:

‏‏

«مُرِّي كالغريبة بي» فـ «كلّي عاشق ونصفي غريب».. مُرّي وطناً أتمرأى به، فـ «لستُ الذي في المرايا» بل أنا مرآة الغريب..‏‏

إنه الشاعر الفلسطيني «أنور الخطيب» المتمرّسُ في جعل الكلماتِ تسكنهُ، كما «الأرواح تسكن المدينة» فتهيمُ في «رحلة الجذور» بحثاً عما جعله «المدثّر» بفلسطين.. وطنه، الذي قادته إليه «رائحة النار وصراخ الذاكرة» وسواهما مما سربل بهِ مفردات إبداعه، الناطقُ أبداً بالحنين.‏‏

لأجلِ كل هذا، وسواه، حاورناه وسألناه:‏‏

«أنا المكان المقدَّس/ تأوي إليَّ النارُ من كلِّ الجهاتِ وتبكي/ أنا الكلماتُ الغريباتُ تزورني في معجمي كلّ شهقةٍ وتشكي». هذا أنتَ في مملكتك الشعرية، فمن أنت في مملكتك الشخصية؟.‏‏

•• رغم أني لا أتصالح مع الممالك، إلا أن مملكتي الشخصية لا تختلف كثيراً عن الشعرية. أصدرت 13 رواية و7 دواوين شعرية و3 مجموعات قصصية وكتابين في النقد، وكنت أظن أن الكتابة يمكنها تسكين غربتي وهواجسي وعدم استقراري المعنوي والمكاني، إلا أنني كلما كتبتُ ازددت ضجراً وضيقاً وتمرداً، وحالة الذئب الجريح الذي يعوي في جبال جرداءٍ تتملكني يوماً بعد يوم، وتلقي بظلالها على إيقاعِ يومي وسنوات عمري وعلاقاتي مع الآخرين.‏‏

فشلتْ الكتابة يا سيدتي في نشر السلام بروحي، بل إن استغراقي بها يزيدني بؤساً، رغم أنني أتطلع إلى اليوم الذي أتفرغ فيه للكتابة وأهجر الوظيفة، ولا أدري كيف سيكون حالي حين أواجه ما راكمته من مطبوعات، وما راكمه الآخرون من هزائم في عينيَّ.‏‏

من يقرأ في الرواية أو القصيدة التي تكتبها، يشعر بنبضكَ المتوثِّب حباً وحنيناً وغربة مداها الشجن. أهي غربة الروح أم الوطن؟. أيضاً، ماسرُّ هذه الموسيقا التي تنسابُ ورغم آلامها، في عذوبة مفرداتك؟.‏‏

•• أنا قلق «عاقد الحاجبين» منذ استيقظ وعيي على أسئلةٍ أكبر مني في الصغر، ولا تزال الأسئلة أكبر مني، وكلما بحثتُ فيها تزداد تعقيداً، ولا مجال لغضِّ الطرف عنها. ربما أتت غربة الروح من غربة الوطن أو العكس، يبدو أن بعضنا يولد بجينات الضجر ومحاكمة الأشياء كلها، إلى أن نصل إلى محاكمة أنفسنا، فنكتشف أننا، على الصعيد الوجودي، لسنا أكثر من طرفة ساذجة /ولا نملك التهكم عليها/ ربما لعب غياب الوطن دوراً في رؤية كل شيء ليس كما يبدو.‏‏

أما الشجن وانسياب العذوبة، وأشكرك على هذا الإطراء، فربما يعود إلى حالتي أثناء الكتابة الإبداعية، إذ لا ألجأ إليها إلا وأنا على حافة الانفجار، وأنا ممتلئ تماماً بالعشق الحقيقي والمتخيل والمنشود، وبالغربة المتحققة على مدار الوقت، فيلقى نزيف الحروف صدى في القلوب. لا أخفيك، فأنا أنتشي أو أبتسم أو أدمع أثناء الكتابة، أتحول إلى معنى مجرد من مادة الحبر، واكسبني بلا هوادة.‏‏

• شاعرٌ وقاصٌ وروائيٌ ومترجمٌ وإعلامي. هذا أنت، فما هي روايتك، ومن قصيدتك، وكيف ترجمتَ الحياة وبماذا عنونتَ حكايتك عنها؟‏‏

•• روايتي كل هؤلاء، الشاعر الذي يروي أسطورته غير المتحققة، ويترجم هواجسه وهلوساته في قوالبٍ عتيقة يحاول تكسيرها، ويعلم الناس بما يعرفونه بلغته الخاصة. روايتي هي أنا وهي وهو وأنت وهم.. هي الماضي بأسئلة حديثة ووعي جديد. كتبت ذاتي الجمعية مراراً، وحين أنظر إلى 13 رواية أشعر أنني كتبت فقرة واحدة. أما قصيدتي، فهي حرة الشكل والمضمون والإيقاع، تلقائية التدفق والانسياب، لا أوظف فيها خبرتي الفنية ولا أشغل نفسي بالبحور والتفاعيل، وأتعمد نسيان كل إرث تجلمد، فقط أفتح باب شرفة اللغة وأطلقها، فتقابل امرأة في أول الصبح أو آخر الليل فيتعانقا ثم يفترقا، أو أشاهد زعيماً يتبجح، أو أعاقر عزلتي فألدُ منفيين ومعتزلين أو صوفيين أو تائبين أو ملحدين. حين أجلس لكتابة الشعر أجهل إلى أين سيقودني الوهم، لهذا حكايتي حتى الآن بلا عنوان، وهي تختزل العناوين كلها.‏‏

تقول: «أكتبُ كي أحدث توازناً بيني وبين الواقع، لا لأحقِّق شهرة أو أغيّر العالم». ياترى، كيف بإمكانِ من تمرّس إبداعاً، أن يتوازن في واقعٍ مختل وغير متزن؟.‏‏

•• أن أتوازن في الواقع لا يعني التصالح معه، أو الاستسلام له، بل أن أحافظ على عقلي في مواجهة جنونه واختلاله ورعونته ومجونه، أن أقرأه جيداً، وأن أترك بيني وبينه مسافة تُبقي على لهجة الحوار الماكرة هادئة، فواقعنا شبيه بالفترة التي هجم فيها هولاكو على بغداد، وواقعنا السياسي يشبه الأندلس قبل سقوطها. نحن نعيش عصر ملوك الطوائف بامتياز، والتوازن مع هكذا واقع يعني تحاشي السقوط، لأن من يسقط سيداس، وسيستمر الطوافون في حركتهم الدائرية حول أصنامهم التي خلقوها وصنعوها.‏‏

تقول أيضاً: «يحتاج المثقف العربي إلى انتفاضة داخلية على نفسه أولاً، ثم على المجتمع، لأنه مصابٌ بانفصامِ الشخصية المدعوم بشيءٍ من الانتهازية».. برأيك، ما سبب هذا الانفصام وهذه الانتهازية؟..‏‏

•• المثقف العربي منفصل منذ زمن عن حراك مجتمعه، نفخ أوداجه الثقافية بـ (بوتكس) مستورد ليبدو كالآخر الذي شهد ثورات ثقافية وفكرية وفلسفية منذ مئات السنين، ونسي مجتمعاته التي تصل الأمية الأبجدية في بعضها إلى 40 و50%، وجاء (الربيع العربي) ليزيد هذه الأمية ويحرم الأطفال من مدارسهم وحدائقهم وبيوتهم وأهلهم.‏‏

المثقف العربي انشغل بحداثة لم تصل إلى أوطانه، بل وقفز إلى ما بعد الحداثة، وصار يكتب وفق أشكال أدبية (الهايكو مثلاً) التي نشأت في دولة مثل اليابان، التي تختلف كلياً في ثقافتها؟..‏‏

المثقف العربي استورد فكراً من الخارج حين أراد تغيير مجتمعه، (الفكر الماركسي اللينيني) وغيره، بينما المجتمعات لم تكن مهيأة لهذه القفزة، وهذه هي النتيجة، السماح للفكر الظلامي بتسيّد المشهد.‏‏

في روايتك «وردة عيسى» تسلط الضوء على المشهد العربي الحالي، ومايعكسه من تشظ في دائرة الموت. على من تعوِّل لإزالة ما استشرى في واقعنا من عفنِ المعتقداتِ والأفكار؟..‏‏

•• في روايتي «وردة عيسى»، لا أحد يرى وردة التي ترمز للوطن، سوى شخص بسيط وطفلة، كان الآخرون يستشعرون وجودها لكنهم يدعون عدم رؤيتها، فقد كانت عبارة عن جسد في ثلاجة الموتى، يراها عيسى فقط، والآخرون يخشون الإيمان برؤيتها، وحين بدأت تتجسد على هيئة الأنثى، اجتمع حولها الأطفال ليبدؤوا حياة جديدة، قد تكون نظرتي متشائمة، لكنني هكذا أرى المشهد: المصالحة بين الأطراف المتحاربة قد تتم، لكنها لن تكون حقيقية، ولهذا أعوّل على الأجيال القادمة، على الأطفال حين تحتضنهم امرأة كوردة. الوطن الحقيقي النظيف البريء، والذي يتسع لكل الناس بطوائفهم وأديانهم ولغاتهم ولهجاتهم وثقافاتهم. لا جدوى منّا يا سيدتي، الخراب كبير جداً، أكبر مما يبدو.‏‏

أيضاً، وفي روايتك الصادرة حديثاً «الكبش» تعتمد على الرمزية والغرائبية. ماالسبب لطالما، واقعنا مليءٌ بضحايا الجشع والحقد والمعتقدات التكفيرية؟..‏‏

•• قد تكون روايتي رمزية لكنها ملتصقة بالحقيقة الكاملة، لأنها تتحدث عن ضحايا الجشع والفساد والمعتقدات والاتجار بالبشر واستغلال التطرف، والابتزاز الإنساني، على الرغم من وجود غرائبية في بعض المشاهد.‏‏

• أخيراً.. الوطن قصيدة، والحبيبة وطن. أي وطنٍ هو قصيدتك، وأي حبيبة هي وطنك، وهل اكتملتْ فاكتملتَ، أم لازلتَ تُجدِّد فتتجدَّد في مفرداتها؟..‏‏

•• هنالك فرق بين المعنيين المعنوي والمادي، الوطن قصيدة مادياً ومعنوياً، لكن الحبيبة تختلف، بعض المناداة والمناجاة والذوبان حكر على الحبيبة الأنثى، ولكن، لا الوطن اكتمل وخرج من القصيدة، ولا الحبيبة صارت وطناً وسكنت القصيدة بمعناها المطلق. المفردتان، الوطن والحبيبة في الشعر من أكثر المفردات تعقيداً ولذة، فهما تتسعان لعمر كامل، فكيف إن كنا نفتقدهما معاً بالمعنى اليقيني للكلمة، سنبقى في حالة بحث عنهما، وأرجو أن نصل إلى زمن، يبحث عنا الوطن كما نبحث عنه، يجددنا كما نجدده، وأن تبحث الحبيبة عنا كما نبحث عنها، في المكان المطلق للقصيدة، والحياة.‏‏

* * *‏

«أنور الخطيب» شاعر وروائي وقاص ومترجم وإعلامي فلسطيني.‏

• ولد في لبنان، وحصل على ليسانس في اللغات الأجنبية من جامعة «قسنطينة».‏

• من رواياته: «الأرواح تسكن المدينة» «رحلة الجذور» «رائحة النار صراخ الذاكرة» «ند القمر» «المدثر» «مس من الحب» «وردة عيسى» «الكبش»…‏

• من دواوينه: «ألفة متوحشة» «سيدة التعب» «مري كالغريبة بي» «كلي عاشق ونصفي غريب» «لستُ الذي في المرايا» «آيتي أن أكلّم الناس»…‏

http://thawra.sy/_View_news2.asp?FileName=90327883820171212213853

اترك تعليقاً