الداخل والخارج.. ثقافياً

الداخل والخارج ثقافياً

بقلم: أنور الخطيب

 (1)

بين “الخارج” و”الداخل” كمكانين، تنهض أسئلة مؤلمة تبحث عن إجابة، فلماذا كلما اجتمع نفر من القائمين على المؤسسات والمراكز الثقافية والإعلامية لوضع برنامج ثقافي أو أدبي أو إعلامي، تدير ظهورها لـ”الداخل” وتيمم وجهها شطر “الخارج”؟ ولماذا لا يُقرأ ما يُنتج في “الداخل”، ولماذا يُصادر قبل أن يرى النور؟ هل مرد ذلك إلى مزاجية فردية مريضة!

(2)

بعض المتحذلقين في الإعلام والمؤسسات الثقافية، يمارس فعلا لا ثقافي ولا إنساني حين يقسّم “الداخل” إلى قسمين، وكأنه بذلك يجزّ المكان جزاً، ويسرق منه رائحته التي تميزه منذ عشرات السنين، حتى تخاله ملكيا أكثر من الملك، وفي الوقت الذي يمارس فيه هذه “الفاحشة”، فإنه ينظّر خارج المؤسسة طيلة الوقت في الإبداع والإنسانية والعروبة والشمولية وغيرها من المفردات، ولا أدري من يسمح لهذا البعض بالعربدة طوال الوقت، وإيقاف الاحتكاك بين أصحاب وزملاء الحرف.

(3)

بعض الصفحات الثقافية والمحلية التي تتناول منتج “الداخل” بشكل مثير للشبهات، تمارس تدليسا لا يخفى على الفطن، عن طريق المبالغات والنفخ الردئ السخيف، بكتابة عناوين عجيبة لا تنطبق على فلاسفة الفلاسفة، كأن تقوم إحدى الشاعرات المبتدئات بإعادة تشكيل الذائقة الشعرية، وأن يقوم مجموعة من الطلاب الصغار خلال رحلة سياحية تعليمية “بإعادة اكتشاف العالم”، هذا تسلّق غير مبرر على “الداخل”، ومتاجرة بالأبيض والأسود.

(4)

بعض مسؤولي النوادي الشعرية في الاتحادات والمؤسسات الثقافية يمارسون لؤما متعمدا في التعامل مع المبدعين، ويحيكون مؤامرات غير ثقافية ترقى إلى التفاهة، ويمارسون فعل “الاحتكار والوصاية والفرز والتعامل غير المتحضر”، يتقوقعون على ذواتهم كأنهم خلقوا “داخل” آخر، هؤلاء لا يجيدوا سوى الصراخ على المنابر بلغة مباشرة فظة، ويجب إهداءهم “كاتم صوت” فورا.

(5)

إنني أجزم أن “الداخل” لم يُقرأ بعد، كمنتج إبداعي، ولم يتم التعرف على إمكانياته، كطاقة ثقافية تعمل في مؤسسات متنوعة، ولم يُحتفى به بالشكل المطلوب، على الرغم من الجوائز والمسابقات العديدة، هذا “الداخل” يستحق وقفة ومراجعة دقيقة في إطار مشروع وطني كبير، يكرس للفكر كآلية تنويرية وليست إرشيفية، ليس المهم أن تمنح جائزة، بل المهم أن يتحول صاحبها إلى ركن ثقافي، لأن كثيرين ماتوا بعد حصولهم على الجوائز، إما بفعل دهشة عدم التصديق فأصيبوا بالتقوقع، وإما بفعل التعتيم بداعي أنه حصل على ما يستحق.

(6)

نهر الحياة الثقافية في “الداخل” ترفده سواق تزيد من ثرائه وتنوعه، وتساهم في تحريك نشاطه طوال العام، ولا أبالغ إذا قلت أن هذه الروافد هي ضمان بقاء هذه المؤسسات بفروعها مفتوحة، كل هذا يقودنا إلى اقتراح فعل تكريمي مواز، كأن تكون هناك جائزة دولة تقديرية موازية، وعملية تكريم موازية، ونشر كتب مواز.

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً