كلام في اللغة
بقلم أنور الخطيب
وصلت اللغة العربية إلى مستوى متدهور إلى درجة يهدد تاريخها كلغة حية على مر العصور، والشواهد تظهر في كل شارع ومؤسسة ومدرسة وبيت وكتاب في الوطن العربي، فلا يزال أهل المشرق العربي يعتزون باللغة الإنجليزية، وهي لغة الانتداب القديم الحديث، ولا يزال أهل المغرب العربي يعتزون باللغة الفرنسية، وهي لغة الاستعمار القديم والحديث، والخروج من هذا (الاعتزاز) يتم بكل بساطة في التخلص من هذا – الاعتزاز- وهو يشبه الاعتزاز الذي يشعره كل عربي يحمل جنسية أجنبية، حتى لو كانت تنتمي إلى أبعد دولة تقع على جزيرة صغيرة في البحر الكاريبي، وهنا نستطيع بكل ثقة أن نقرن مستوى الاعتزاز بمستوى الانتماء، وهذا الأخير يستدعي الحديث عن القوة والكرامة والعدل والمساواة والحرية وأساليب الحياة، والقضية في المحصلة لا يتم التغلب عليها أو تصحيحها إلا بتصحيح مسار المجتمعات الناطقة باللغة العربية، أي إيقاف الحلم العربي عن اللهاث وراء الحلم الآخر، ولا يمكنك فعل هذا، لأنك لا تستطيع منع الناس من ممارسة الحلم، والتطلع إلى أن يكونوا بشراً يتمتعون بكرامة وعزة واستقلالية.
الحديث عن اللغة العربية وواقعها هو حديث سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتاريخي وجغرافي أيضا، وليس حديثا أكاديميا يتعلق بالوسائل الممكنة لتيسير تعليم اللغة العربية للناطقين بها أو غير الناطقين بها، والحديث عن اللغة العربية هو حديث الحداثة والتكنولوجيا والعصر الرقمي وعصر الانفتاح التقني على العالم، لقد دخل العرب مواقع التواصل الاجتماعي غير متسلحين بالثقافة التي أتاحت هذه المواقع، ولهذا، قامت – هذه المواقع- بفضحهم شر فضيحة، ونشرت غسيلهم القذر على حبال العالم الذي لم يعد افتراضيا، ومن بين تلك الفضائح ما له صلة وطيدة باللغة، والتوجه والموقف والفكر والسياسات.
اللغة العربية مصابة بآفة اسمها مجاميع اللغة العربية، تشرف عليها عقول لا تعترف بحركة الزمن، ولا تريد أن تحتوي المتغيرات، وترفض الاعتراف بالهزيمة الكبيرة التي خلفتها التكنولوجيا ومفرداتها في الحياة العربية، ولا يريدون استعارة المفردات التي كرستها العلوم التطبيقية، ويصرون على أن اللغة العربية لا تزال تعيش ازدهارها الذي كانت تعيشه أيام مملكة الأندلس (التي تحولت إلى ممالك)، ويستشهدون باللغات التي استعارت مفردات من اللغة العربية، مثل الإسبانية والتركية والأوردو وغيرها، ولا يريدون الاستعارة الآن بعد السقوط التاريخي المدوي لتلك المملكة وما تبعها من ممالك اهترأت واضمحلت.
اللغة مثل اي كائن حي، عليه أن يتأقلم مع المناخات المستجدة والمتجددة كي يواصل دورة الحياة، والعرب لا يعترفون حتى الآن بالتغير المناخي العالمي، فكيف سيعترفون بالتغير المناخي الحضاري والتقني.