رواية الكبش،، الفصل الرابع،، المبارك،، تأليف أنور الخطيب

رواية الكبش

الفصل الرابع- المبارك

%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b4

 

المبارك!

(1)

نهضت وفي رأسي مسامير تدقها مطارق عمال غاضبون. نمت أكثر من عشرين ساعة، ولو استسلمت لحالة الخدر في شراييني لواصلت النوم عشرين ساعة أخرى. لم أشعر بلذة النائم، كان النوم أشبه بتجوال بين السموات والأرضين، كبساط ريح فقد بوصلته، لم أستمتع بلحظات اليقظة الأولى؛ كسل ممزوج بنكهة المتعة واستنفار النوع. كانت كيقظة المخطوف الذي وجد نفسه بين يدي امرأة قبيحة تود التهامه.

هل كان النبيذ هو السبب؟ مغشوش مثلا؟ هل يمكن أن يكون لحارس الهمنغواي أي دور في الخدر، كأن تنبعث من ملابسه بودرة مخدرة؟ هل ماء الملهى أو البطاطا المقلية المقرمشة كانت منقوعة بالكحول؟ هل دسّتْ معصومة شيئاً في علبة السجائر مثلا؟ أم أن بخاراً مسكرا مخدراً رشح من مؤخرتها؟ هل ترك سمير شيئاً من شذوذه في تلافيف دماغي؟ الشذوذ يؤدي إلى الخدر أحيانا! هل المسعودي هو الرأس المدبر الذي يخطط لغزو الرؤوس جميعها ليقرأ أحلامها؟ هل كانت النادلة “جاكي” تتآمر مع المسعودي ويشكلان تنظيماً سرياً يهدف إلى استقطاب الأطباء البيطريين تمهيداً لاستقطاب كل حمير وكلاب وقطط وخيول المنطقة؟! هل دسّت “جاكي” مادة مخدرة في عصير البرتقال الأحمر؟ وهل ذاك الشيء السافل يؤدي إلى النوم وإيقاظ الهلوسات والأحلام أو اللاوعي، ولكن، هل كان في لاوعيي قتل “أوفيسر”؟!

على الرغم من ثقل رأسي، تذكرت أن “جاكي” كانت المسؤولة عن طاولتي خلال المرات الأخيرة التي زرت فيها الهمنغواي، تلك المعلومة كانت كفيلة بهز رأس فيل وليس رأس الغزالي البيطري.

نهضت من السرير كأنني ذاهب إلى جبهة حرب تدور فيها معارك شرسة، أو ذاهب إلى مدينة لا تعمل فيها سوى أجهزة الاستخبارات.

نفضت رأسي كخيل بري لأحرر خلايا دماغي من طنين النعاس الخافت جداً، احتسيت إبريق شاي ودخنت سيجارتين بنهم، مارست الرياضة كالقردة ووقفت تحت شلال الماء في الحمام أكثر من عشرين دقيقة، ثم ارتديت ملابسي وتعطرت وقررت الذهاب لزيارة صديقي الدكتور لبيب، صاحب أكبر مختبر في المدينة.

كان الحارس “أوفيسر” ينظف السيارة بخلفيته. قال حين اقتُنص: (أحب أنا أمارس بعض الأعمال بالرقص، ورقصي يختلف عن رقص أحد، إنه رقص محارب يضع قدمه عند الضوء الأمامي للسيارة وقدمه الأخرى عند الباب الخلفي..).

لم أناقشه كثيراً ، طلبت منه بعد انتهائه من تنظيف السيارة، مرافقتي إلى الطبيب. شرحت له ما أعانيه من تعب وشعور بالنعاس، وأبديت خشيتي من مداهمة سلاطين النوم لي أثناء قيادتي السيارة.

أبدى “أوفيسر” على الفور موافقته، ضارباُ بكفه على صدره العالي استعداده للقيادة فرفضت، وبررت موقفي بأن القيادة تجعلني يقظاً متنبهاً، ولكن عليه أن يكون أكثر يقظة مني.

على الرغم من موافقته، رسم علامات غريبة على ملامح وجهه وحركاته؛ كان ينزل حاجبه الأيمن ويرفع الأيسر بالتناوب، ويضرب رؤوس أصابع كفيه ببعضهما بعضا كأنه يعزف على آلة موسيقية من اختراعه.

وصلنا المختبر، سردت لصديقي الدكتور لبيب بالتفصيل الممل ما حدث معي في الهمنغواي وساعات نومي الطويلة، وهلوستي بموت الحارس، وأشرت نحو “أوفيسر” كدليل على بقائه على قيد الحياة.

هزّ رأسه وطلب من الممرضة إجراء فحص دم سريع. انتهزت الوقت الفاصل بين سحب الدم وظهور نتيجة الفحص. حدثته بما جرى معي خارج الهمنغواي، وعن الأصوات التي سمعتها، والرجل الذي تسلل إلى المقعد الخلفي للسيارة، وعن حلمي الشبيه بمؤامرة المسعودي لإغراقي في البحر وقصة شبكة الصيد، وأخبرته بتفسير المسعودي لكل تلك الأحلام.

عادت الممرضة بالنتيجة، قرأها الدكتور لبيب بسرعة وعقد حاجبيه وقال: هل تشعر الآن أنك نائم بعض الشيء أم يقظ تماما؟

قلت: (أشعر باليقظة، وأحضرت “أوفيسر” ليكون شاهداً على حضوري إلى مختبرك، صرت في حاجة لمن يؤكد لي تحركاتي وتصرفاتي وأحاديثي، “أوفيسر” يشهد اليوم أنني وجدته يغسل السيارة بخلفيته وبطريقة المحاربين، “أوفيسر”…)

قاطعني وقال: (في دمك كمية من المخدر الذي يُعطى للمرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية، لكن تأثيره حدث معك ببطء، يبدو أنها أُعطيت لك على مراحل، وبكميات قليلة، لكن نومك لمدة عشرين ساعة متواصلة يعني أن حظك يفلق الصخر كما يقولون، يبدو أن نسبة الكحول في دمك هي التي منعت المضاعفات، وإلا لكنت في رحمة الله. أما القصص التي سردتها لي وخاصة موت “أوفيسر” وزيارتك لمركز الشرطة والتحقيق الذي خضعت له، فلا تفسير لدي بشأنها، ولا يجب تصديق صاحبك المسعودي، يبدو أن هذا المخدر ممزوج بمادة تحفز الهلوسة أو توقظ العدوانية في الإنسان، فيقتل ويذبح ويدمّر، ولكنني أراك ودوداً مع صديقك الحارس الذي رأيت أنه خُنق داخل بيته المقفل من الداخل، ومعي أيضاً. أحسنت في اصطحابك للحارس، وعليك الذهاب إلى البيت والاسترخاء، وتناول كميات كبيرة من السوائل، وخاصة الماء، ولا تحتسي الكحول. وأود تنبيهك لأمر مهم جداً، ليس كل المخدر يوضع في سائل، قد يوضع في أي مكان، تشربه، تشمه، تلمسه، فعليك الحذر يا صديقي، سؤال عابر: “هل دخل أحد غرفة نومك خلال الأسبوعين الأخيرين؟”).

أجبت بالنفي، لكنه قرأ من خلال ملامحي، كما قال، أنني لست متأكداً، فسألني ثانية: (منذ متى لم تنفض وسادتك وتعرّضها لأشعة الشمس؟).

قلت: منذ شهور؟

قال: عليك التأكد من كل قطعة في بيتك. كن حذراً يا صديقي، بالمناسبة، ما هي أخبار الفارس؟

قلت: لم أقابله منذ ذلك اليوم الذي أودع لدي سيفاً قديماً، ولم يتصل بي، يبدو أن خيوله تحسنت.

قال: هل أنت متأكد من أن خيوله كانت تعاني من أزمة ما؟

قلت: أنت تعزز الشك لدي. سأعود في وقت لاحق ونتحدث، ماذا لو التقينا غداً في الهمنغواي؟

ضحك: لا أرجوك. مع السلامة.

(2)

في طريق العودة، نبت ل”أوفيسر” ثلاثة ألسن، كان يقفز من موضوع إلى آخر ويتعمّد لمس ذراعي بين لحظة وأخرى، في محاولة منه، كما يبدو، لإبقائي يقظاً. طرح عشرات الأسئلة كي يُبقي دماغي متحفزاً مثل: (أين ذهبت مع المسعودي؟ ما نوع الشراب الذي تناولته؟ هل أنت واثق من النادلة “جاكي”؟ هل أنت متأكد من أن المرأة التي جلست إلى طاولتك لم تدسّ شيئاً في شرابك أو في زجاجة المياة؟ وماذا قال الدكتور لبيب في نهاية الكلام؟ أنا لم أفهمه كثيراً، أين يمكن وضع المخدر؟ ومن الذي يريد قتلي يا دكتور؟). ثم انفجر بعد صمت قصير غاضبا: (أنا أقتل عشرين رجلا عند الضرورة، أنت تعلم قوة المحاربين النيباليين، هم معروفون على مدى التاريخ، وأنا واحد منهم، كنت في فرقة قتالية خاصة في الجيش لكنني تركت العمل لأنني تعبت من الاستنفار الدائم، لذلك، أنا لن أكون حارساً للبناية فحسب، بل حارسك الشخصي، ولا أريد مقابل ذلك أبدا، فأنت رجل يستحق الدفاع عنه والمحافظة عليه، يكفي أنك تحفظ سرّي وتتفهم صعلكتي أحياناً. ولكن قل لي: ما هي قصة السيف والفارس؟).

وصلنا البناية في العاشرة صباحا، أخبرت “أوفيسر” بخطتي لزيارة المسعودي: (أريد أن أسرد عليه الحلم الذي وجدتك فيه مقتولا في غرفتك المغلقة، وتحقيق الشرطة معي، واكتشافهم أن لا أحد يحمل اسم المسعودي، ولا معصومة، وبعدها سأحدثه عن المخدر الذي وجده الدكتور لبيب في دمي..)..

وافقني “أوفيسر”، وحرص على تحذيري من تناول أي طعام أو شراب في شقته وقال: (نعم أحب أن أعرف من الذي يفكر في قتلي، أو قتلك.. وسأكون قريباً منك، فقط اتصل واقفل، وسأكون إلى جانبك بسرعة البرق.. لم يعجبني المسعودي منذ اللقاء الأول..).

***

كان المسعودي يجلس قبالة تلفازه، ينتقل من قناة إلى أخرى في قلق، وأمامه صينية عليها ثلاث حبات بطاطا وسكين. لم يحدّثني لمدة عشر دقائق، استدار بعدها وهو يحمل حبة بطاطا بيد وسكيناً باليد الأخرى وقال: (أهلا بك يا صديقي، زيارة غير متوقعة، يبدو أنها مهمة خاصة أنك، كما يبدو، لم تذهب للعيادة..).

قلت وأنا أنظر إلى شاشة التلفاز: (ذهبت للمختبر وليس للعيادة، زرت صديقي الدكتور لبيب.. ونصحني بالعودة إلى البيت والاسترخاء، قال إنه وجد في دمي مادة مخدرة تشبه تلك التي يستخدمها الجراحون في غرف العمليات، وربما ممزوجة بمخدر آخر لتعطي مفعولا مؤجلاً، كأن تتناولها الآن وتترك مفعولها حين تصل الهمنغواي.. لتنام وتبدأ بالهلوسة أو بالأحلام الغريبة، أنا مثلا، نمت عشرين ساعة متواصلة، وحلمت حلماً استمرت أحداثة ثلاثة أيام، الغريب أن معظم أحلامي، كما تعلم يا صديقي، إما أن يحاول أحد قتلي أو إغراقي، أو أن أشهد موت أحد أو قتله أو خنقه، كما حدث لي خلال نومي الأخير الطويل..).

لم يرتبك المسعودي، ظل منصتاً باهتمام وهو يقشّر البطاطا، قلت دون مقدمات: (رأيت حارس البناية “أوفيسر” مقتولا في غرفته، كانت مغلقة، والمفتاح في القفل الداخلي، وأوقفتني الشرطة ثلاثة أيام، حاولوا زيارتك فلم يجدوك، وبحثوا عن اسم معصومة فلم يعثروا على أحد بهذا الاسم في المدينة كلها، حتى أن أحد أفراد الشرطة قال: “ليس لدينا معصومين يا دكتور..جميعنا نرتكب خيانات وجرائم بقصد أو بدون قصد..”).

اعتقد المسعودي أنني أحدثه عن أحداث مسلسل، أمسك بجهاز التحكم عن بعد وأقفل التلفاز، حدث ذلك وهو يتابع حديثي، وحين لم أكمل قال: (هل انتهى الحلم؟).

هززت برأسي بالإيجاب، نهض بعدها المسعودي وأمسك بكفي بهدوء، قرّبها من فمه بسرعة وقبّلها وهو يقول: (أيها المبارك..)، ثم عاد إلى جلسته الأولى وواصل تقشير البطاطا. كان يقشرها ثم يقطعها ويرميها في سلة القمامة. كان من الواضح أن عملية التقشير تجعله يركز في تفكيره، فلم أقاطعه، ولاسيّما أنه كان يمارس التقشير بحرفية عالية، كأنه كان يعمل في مطعم لفندق خمس نجوم، كان يقشر وعيناه تحملقان بأرضية غرفة الصالون. حين انتهى من تقشير وتقطيع حبات البطاطا جميعها ورميها، واجهني بهدوء.

لم يذهلني تصرفه ولم أستهجنه، كأن الناس يقبلون يدي كل صباح وهم ذاهبون إلى العمل ويفعلون الشيء نفسه عند كل عصر وهم عائدون. ولدهشتي، وربما استغرابه الباطني، قمت بتعديل جلستي لتدل على التقى والورع والتواضع.

أحسست أن المسعودي كان يعيش غبطة ليس لها حدود، بل لمحت ابتسامة حاول إخفاءها. ظل يمثل دور الرائي والموحى إليه باستمراره في الحملقة في أرضية غرفة الصالون، الذي كان مغطى ببلاط عليه أشكال هندسية؛ مستطيلات متداخلة، وأهلة وصلبان متفاوتة الأحجام، ويبدو أن مصممها استغل مساحات المربعات فملأها بالنجوم.

(اسمع أيها المبارك..)، قالها وهو لا يزال يحملق بأرضية الصالون. التفت نحوه بهدوء شيخ ينصت لمريده.

(سأحدثك بصفات كثيرة، من بينها صفة العالم بأنفس الناس، ومفسر أحلام محترف يفك رموز الرؤى التي تمر في الخاطر في النهار، والمشاهد التي يراها الناس أو يفتعلونها في الليل، ولأنني رجل أشاركك الهواجس، اسمح لي أن أقول أنني في حاجة ماسة إلى برَكَتِكْ، والسياسيون ورجال الأعمال والأثرياء والأمراء يحتاجون إلى بركتك، وبالتالي المدينة كلها في حاجة إلى رجل مثلك، يرى ما رأيتَه، يشهد ما شاهدته، مر بالتجارب المقدسة التي مررت بها، والأكثر من هذا وذاك، قادر على كبح غريزته، فيرفض امرأة يتسابق الرجال للركوع أمامها وتقبيل أصابع قدميها، ويرفض غلاما سحر السهارى والسكارى وفحول المدينة، لا، ليس بالجنس فقط، وإنما بالإيهام والأحلام والتشويق والإغواء. لنبدأ من رحلتك البحرية التي تقول عنها بكل براءة إنك مشيت فيها على الماء، وركع خلفك الرجال الذين كانوا يطاردونك، وهذه القصة وحدها، حقيقة كانت أم حلماً، تكفي لتكون مباركاً ومؤهلاً لتمنح المدينة وسكانها طعماً آخر للحياة، فأنت جمعت بين معجزتي رجلين مقدسين، واحد شقّ البحر وآخر مكث في بطن الحوت فقذفه على جزيرة، والبحر مدى متسع للأسرار، وبرهان للرجال الصالحين، وقدومك إلى هذه المدينة طالباً اللجوء أو الإقامة عن طريق إثبات أنك مهرج، تحتاج إلى تفسير منك، لا علم لدي برجال صالحين ادعوا التهريج، رغم أن أحدا لم يطلب منك إثبات قدرتك على التهريج، لم أسمع هذا من قبل، والناس المتواجدون في المسرح لا يهمهم التهريج، لذلك واصلوا الحديث والحوارات الجانبية والفوضى والجدال العقيم، فهم لم يصلوا بعد إلى يقين بشأن أي شيء، ولم يتوصلوا إلى قواسم مشتركة، ولهذا، سكنوا حين قلت أنك جئت ماشيا على الماء، الناس ينتظرون معجزة، لا ليتلهوا بها، وإنما لتنهي النقاشات السخيفة التي أدت إلى حروب دموية. أما المسألة الثانية، فتتعلق أيضا بالبحر، الرجال الصالحون تعرضوا للقتل والتنكيل وصبروا، وأنت صبرت، والسيف الذي كان مسلطاً عليك هو السيف الذي ستحمله لتسلطه على الناس، لتحكم بالعدل، وليس لتسلطه على رقابهم. والمسألة الرابعة أدهشتني وجعلتني أؤمن ببركتك أيها الصالح، هل تعلم ماذا يعني عثورك على الحارس “أوفيسر” مقتولا على وجه اليقين ثم تجده يمارس الحب مع إحداهن، ويحضر بنفسه ليعترف أمامك بخطيئته؟ لقد أحييته أيها الغزالي، وبعثت فيه الأمل من جديد، وطهرت روحه باعترافه، وصار جندياً مخلصاً لك، أعلم أنه أبدى استعداده لمرافقتك والدفاع عنك وحمايتك حتى من نفسك، فنفسك التي كانت معربدة أمّارةٌ بالتراجع والسوء..).

صمت المسعودي لثوانٍ ثم انتقل بعينيه إلى شكل هندسي آخر في أرضية غرفة الصالون ثم قال:(الآن، أصبح لديك رجلين تأمرهما فيطيعا، ومستعدان للتضحية من أجل روحك المباركة..)

حاول المسعودي الالتفات نحوي فمددت كفي ووضعتها على رأسه وقلت: (لا تلتفت، واصل حديثك..).

قال: (الأمر الأخير يتعلق باسمك، تغزل أحلامك في الليل وتهديها للنهار، تواصلُ روحك مع الأولين، علمك الذي ستحدث الناس به، وقارك، هيبتك، نقاوتك، انتهيت أيها الغزالي..).

طلبت منه ألا يتحرك من مكانه فقال: (هنالك أمر أخير أيضا، ليست صدفة أن تقيم في الدور العاشر، لا يفصلك عن السماء سوى غرفة صغيرة يقطنها خادمك “أوفيسر”).

لملمت نفسي بهدوء وغادرت إلى شقتي، ألقيت على كتفيّ عباءة ورثتها عن أبي، ثم صعدت إلى السطح. جلت ببصري أنحاء المدينة العتيقة، اخترقت أحياءها وطرقاتها وملاهيها ودكاكينها وبيوتها وغرف نومها. قهقهت بصوت عال أيقظ “أوفيسر” من شروده أو نومه أو أحلامه، خرج من غرفته وتقدّم نحوي مذهولا، يتفحص العباءة السوداء ويبتسم بحذر، مددت يدي وسحبتها حين مدّ يده، ثم مددتها مرة ثانية برأس مرفوع، فهم رغبتي؛ قبّلها وتراجع دون أن يعطيني ظهره. تقدمت، أحطت كتفيه بكفّي ثم مشينا نحو الدور العاشر، واحتسينا النبيذ من زجاجة أهداها لي صديق منذ ستة شهور مخالفاً في ذلك نصيحة الدكتور لبيب. حدثته عن صديقي الذي مات بحادث سير، صدمته امرأة تبيّن فيما بعد أنها كانت تصطحب صديقها، وكان يلعق نهديها أثناء القيادة، وحين عضها نفضت جسدها فقتلت صديقي. وجدتهما شرطة المرور جثتيهما في حالة عشق غريبة، كانت المرأة عارية الصدر، وكان فم الشاب مطبقاً على حلمتها.

صرخت بأعلى صوتي: (هل أنا رجل مبارك يا “أوفيسر”؟).

قال “أوفيسر” وهو يحتسي الكأس الثالث من النبيذ: (أنت دكتور حيوانات يا غزالي! أنا أشعر بالجوع، لم أتناول غدائي بعد..)

قلت: (أنت كالثور السارح في حقل، لا تتوقف عن المضغ لكنك ثور نبيل، أما الثور الذي يتغذى على أحلام الناس فإنه يسكن في الدور الأول، هل تعرفه؟).

أجابني وهو يحتسي النبيذ: (المسعودي المجنون، رأسه بلا مخ..)

أحضرت ل”أوفيسر” كل الأطباق من الثلاجة، أشعلت سيجارة ونظرت إليه: (تناول طعامك يا صديقي، لدي كلام أريد أن أدلقه دفعة واحدة، عليك أن تتأكد أولا أنني لست ثملاً، وأحتفظ بعقلي كحيوان لم يحتس النبيذ طيلة حياته، المسعودي اكتشف أنني نبيّ هذا العصر، المبارك النقي الطاهر الذي اجتمعت فيه قصص الأنبياء ومعجزاتهم، تخيّل أن يكون الغزالي في بطن الحوت..)..

كاد “أوفيسر” أن يقذف الطعام من جوفه: (سأذهب من فوري لأقتله، صدقني، ضربة واحد فقط على عنقه ولن يخرج ثانية إلى الشرفة..).

  • هذا يعني أنك لا تصدقه، لماذا قبّلت يدي يا “أوفيسر” إذن قبل هبوطنا من السطح إلى السماء العاشرة؟

  • أحب المواقف التمثيلية، اعتقدت أنك تقوم بدور الصالح الملعون، فعزمت على لعب دور الخادم الماكر، لكنك الآن سيد كبير، وأنا مقاتل عظيم. وكطبيب بيطري يعرف سلوك الكائنات القابعة تحت وطأة الغريزة، صببت كأساً ل”أوفيسر” ووضعت في طبقه شريحة من اللحم، ثم نهضت إلى غرفة النوم، أعدت ارتداء العباءة، ووضعت على رأسي غطاء أبيض، وعدت وجلست في وضعية الرسل الحكماء الصالحين.  (3)تأكدت وأنا في المصعد من شكل العباءة السوداء، نظرت إلى السيف الذي أهدانيه الفارس الذي لم أعلم حتى تلك اللحظة ما حل به وبخيوله. توجهت نحو شقة المسعودي. كنت على ثقة تامة من أنه في انتظاري على أحرّ من الوحي. لم أكد أطرق الباب حتى فتحه، كأنه كان طيلة الوقت خلفه، يعد الدقائق لحضوري.معظم تلك الصفات كانت تنطبق عليّ باستثناء الإكثار من الحمد والاستغفار والتسبيح والحملقة في صدور النساء وأردافهن والتشبّه بالملائكة، رأيت من خلال تجاربي العملية حيوانات أقرب إلى الملائكة؛ وديعون وطيبون ومسالمون ويساعدون البشر ولا يطيلون الجلوس في الزيارات.كان ينظر إليّ من أسفل إلى أعلى، ويدور حولي غير مصدق هيئتي الجديدة، لكنني تعاملت معه كطفل شقيّ يدور حول رجل طاعن في السن؛ الأطفال الصغار يعتقدون المعمّرين أعمدة كهرباء أو جذوع أشجار يمكن الدوران حولها، ولا يصغون حين يحذرونهم. هبط المسعودي بهدوء على أريكته وحملق في بلاط أرضية غرفة الصالون كما فعل في المرة الثانية، لترسيخ فكرة إتيان الوحي من تحت البلاط اللامع والسقف الخاشع. شعرت عندها أننا نتنافس على سرقة القداسة من الغيب، والإمعان في مواصلة اختلاق الحالات. قلت بصوت يخفي الكثير من الغيظ: (أتريدني أن أذبح وأرش الدم وأحرق القربان أمام المعبد ليستنشقه الرب أم أكتفي بالذبح؟)كان المسعودي لا يزال يحملق في أرضية الصالون كأنه مجنون حين قلت له: (أتؤمن بقلبي أيها المسعودي؟).قلت: (حين عدّدتَ صفاتي وأزحتَ الغبار عن صدر روحي، حملت شهقاتي وصعدت إلى شقّتي وتمدّدت على قطعة قماش قديمة فردتها على الأرض كالأولياء الصالحين وغفوت كالآمنين، ورأيت في ما يرى الرائي أني أذبحك. ولهذا أحضرت سيفي معي لتنفيذ مشيئة الوحي والرؤيا..). انتزع نظراته من لمعة البلاط ونهض كالمجنون يرغي ويزبد، قال كلاما عشوائياً ارتطم بجدران الشقة وسقفها وارتد إليه فانكمش وتصنّم ثم تقدم نحوي صاغراً: (أصبتني بدهشة وخوف ورجفة وشعرت أنني أمم نبيّ يوحى إليه، فاعذر الإنسان الخائن في داخلي والماكر في روحي، وسامح الحيوان المنفعل الجاهل بالمحيطين به.. واعلم أيها الغزالي أن تفسير رؤياك لدي، وستكون مبتهجاً به فأرجو أن تنصت وتثق بنواياي.. أيها الغزالي المبارك، سآتيك بكبش لا رأت عيناك مثله ولا سمعت، مزيج بين الإنسان والحيوان، والإنس والجن، فلا ترق دمه فعصور الدم ولّت، والقرابين اختلفت، لكن الفعل يحافظ على متعته مع اختلاف الهِبات.. سآتيك به بعد غروب الشمس، وستجده يطرق بابك، ستصلك رائحته قبل ولوجه، وستشكر المسعودي كثيرا، ليس امتناناً، وإنما غبطةً وسروراً من خدمة جليلة..فإن رضيت أكون قد استجبت طائعا لرؤياك، وإن تكدّرت سأمنحك كبشاً آخر حتى ترضى..).قال المسعودي: (تنتقل الجينات عبر الأجيال، لا شك أن الكبش من صلبي، وأسمح لي أن أستئذنك الآن، يمكنك البقاء هنا في شقّتي، أما أنا فقد حان وقت جلوسي في الشرفة، هنالك خيط أرغب في تتبعه، فقد يكون خادمك أيضا..)لم أنشغل بمن سيصبح خادمي! تركت المسعودي، انتابتني رغبة عنيفة لجزّ رأسه ليفرغ من تهيؤاته، أو طعنه في بطنه ليبصق الخراب الذي في جوفه، غادرته كنسيم محتقن بإعصار وخرجت متوجهاً إلى الدور العاشر عن مستخدماً الدرج. بدأت أشعر باللهاث وضيق الصدر بعد خمس درجات، لكنني واصلت إمعاناً في إنهاك جسدي الثقيل. فجأة، تذكرت هيئتي المضحكة التي قد تبعث الريبة في نفس أي ساكن أو ساكنة؛ عباءة سوداء وسيف طويل وادعاء بما ليس بي. توجهت إلى أقرب باب يقودني إلى المصعد، خلعت عباءتي ولففتها حول السيف، استعدت بعض روحي العابثة وانتظرت، تأكدت أنني في الطابق السابع، فتح باب المصعد، دخلته مطأطئا رأسي مهموماً ضائعاً. لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت المسعودي يشاركني الصعود، عرفته من ظهره، وضعت يدي على كتفه فالتفت مرتبكا كمن أُلقي عليه القبض وهو يرتكب جرماً.كان صوته يرتعش بالكذب، لم أجبه، خرجت من المصعد وتوجهت إلى شقتي، بينما واصل صعوده قفزا على الدرج نحو سطح البناية. زيارة عيادتي كانت الحل الأنسب للتخلص من المتاهة، تذكرت تجاهل السكرتيرة الممرضة لي، واسترخائها لغيابي، كأنها دخلت كالأفعى في نوم شتوي. تجاوزت فكرة عدم وجودها الذي كان مؤكداً، فهي لا تعود في الفترة المسائية إلا في الساعة الرابعة والنصف أو بعدها، ورغم ذلك توجهت، لا شيء ينقذني من حشد الأفكار المضطربة سوى ذهابي إلى العمل، قد يزورني صاحب قطةٍ أو صاحبة كلب أو مالك حصان. قالت: غبت كثيرا يا دكتور، حضرت إلى عيادتك بعد يومين لأخبرك أنه لا يزال غاضباً مني، وحتى هذه اللحظة لا ينظر إلي ولا يستجيب لأي أمر، وحين أزور صديقتي أجده يندفع نحو عيادتك، ويعود حزيناً حين لا يجدك.قلت: (اهدئي يا سيدتي، أنت تثيرين أعصاب صاحبك بتوترك، ثم أنك مصرة على أن تأمريه فيطيع، هل لو كان رجلا ستعاملينه بالطريقة ذاتها، تأمرينه بمعاشرتك فيستجيب كالإنسان الآلة؟ إنه كائن حي يا سيدتي..).

  • استفسرت على الفور عن الطريقة المناسبة، فشرحتُ لها: (إنه تجاوز مرحلة “الكلبنة” واقترب من مشاعر البشر، وطيلة بقائه معك جعلته يشعر أنه يشبهك، كما أنه يعتقد في لا وعيه أنه يؤدي لك خدمات كبيرة ومهمة، وضربك له على عضوه الذكري جعله ينفر منك، ولو كان قادرا على الكلام لقال لك: أيتها الغبية، أنت تؤذين نفسك..).

  • كانت السيدة ترتدي بنطالا مرقّطا وقميصاً فضفاضا عليه صور عظام وفوقها قلوب حمراء، وقفت وجلست ودارت حول نفسها مرات كثيرة حتى أصابتني بالضجر.

  • لم أكد أستقر في مكتبي حتى دخل الكلب الأسود وخلفه صاحبته، اقترب مني وسمّر نظراته كلها نحوي كأنه يستغيث، ثم طأطأ رأسه واستكان، بدا عليه الهرم والتعب.

  • لم أستطع الهرب من فكرة زيارته ل”أوفيسر”، ومن العلاقة المحتملة بينهما. قررت بغباء شديد أن أتبعه، لم أجده ولم أعثر على أثر للحارس، كأن المسعودي عاد أدراجه بسرعة خارقة، أو كأنه استدعى “أوفيسر” ورافقه. كان عليّ التصرف بمزيد من الغباء والاندفاع، فتوجهت إلى الدور الأول، لم يستجب أحد لطرقي على الشقة 107، كأنه لا يرغب في مقابلتي، أو كأنه هبط مباشرة إلى الدور الأرضي. نزلت الدرج كقط ملسوع ووقفت أمام البناية، أرسلت نظراتي الحادة الغضبى في كل الاتجاهات، لم أجد أحداً، لكن النتيجة لم تقنعني بخلو شقة المسعودي أو غرفة “أوفيسر”، ولم يكن أمامي خياراً سوى العودة إلى شقتي التي بت أخشى دخولها، خوفاً من استلقائي على السرير والذهاب في نوم عميق لساعات طويلة.

  • قال: (كنت في طريقي إلى السطح لمراقبة الناس عن بعد.. لكن الكبش اللذيذ الشهي سيأتيك، أقسم أنك ستشم رائحته قبل دخوله إليك..).

  • ***

  • نفخت صدري وغلّظت صوتي وقلت: (لكنني أريد قرباناً من صلبك..)..

  • تأخر في الرد لكنه قال وكان لا يزال على هيئته: (نعم..).

  • قال: أنا لا أريد شيئا، مصيرك هو الطالب والمشترط، أما المعبد فهو أمر تجاوزته الخرافة.

  • لم أعترض حملقته ولم أقاطع وحيه، لكنه كاد أن يعيدني إلى الهمنغواي حين قال: (مطلوب منك أن تتقرّب من العليّ القدير بقربان، كي تدخل دائرة الكشف، وتنفذ إلى اللوح المحفوظ، فترى السر في الجهر والمخطوف من الملهوف، وتقرأ اسمك الحامل معناه، وليس اسمك الحامل شوكه في مبتغاه، وتتمكن من مقابلة المستهدفين وتنتصر عليهم بنور وجهك وبياض كفّيك..).

  • أصغى المسعودي وانتبه، لم أعبّر عن انزعاجي من دهشته حين جسّدت المشهد المقترح. قلت له بهدوء ناسك: (كان يجب أن تتوقع هيئتي بعد بوحك، يحدث أحياناً ألا ينتبه الإنسان لصفاته إمعاناً منه في التواضع، لكنك كشفت المخفي، ولو لم أحضر بهذه الهيئة وجب عليك القلق، لأن عدم استجابتي ستعكس عندها عدم قناعتي، فلك الشكر..).

  • بدأت أغرس بعض العادات في نفسي وأمارسها، وكانت التجربة الأولى حين دخلت شقّة المسعودي حامداً شاكراً مسبّحاً مستغفراً، حتى أنني لم أعطه فرصة الترحيب بي.

  • كان عليّ أن أغيّر من إيقاع خطوتي، وطريقة حديثي، وحدة التفاتاتي، ونغمة صوتي، وأن لا أُكثر من الكلام، فلا أخوض في التفاصيل؛ المباركون يومؤون ويختصرون ويوجزون، ويوزعون الابتسامات والنظرات الهادئة، ولا يقبلون على الطعام والشراب بنهم، يكثرون من الحمد والاستغفار، ولا يطيلون الجلوس في الزيارات، ولا يمارسون فضولاً غير مدروس، فلا يقتحمون أسرار الآخرين إلا إذا لجؤوا إليهم، ولا يحملقون في صدور النساء وهن مقبلات، ولا بأردافهن وهن مغادرات، ولا ينفعلون عاطفياً بإبداء تعبيرات سمجة على ملامح وجوههم، والمباركون لا يرتبكون حين يصافحهم سياسيون كبار أو أثرياء متخمون أو نساء جذابات ملعونات، ولا يلعنون أحدا ولا يشتمون ولا يهزؤون. المباركون الحقيقيون أقرب إلى الملائكة منهم إلى الحيوانات.

  • تجاوز الوقت منتصف النهار، تلك كانت المرة الأولى في حياتي التي أحتسي فيها النبيذ في الفترة الصباحية. كأسان لم يجعلاني أنتشي كما أردت، لكن روحي كانت مثقلة بتداخل الرؤى، ولدي استعداد لأداء دور احتقرته وأحببته في آن، فقد وصلت رسالة المسعودي بوضوح إلى تلافيف دماغي، لم أصدقها ولم أرفضها، لم أتقبلها ولم أنكرها، إنما راق لي وصفه ولم ترُق لي نواياه.

  • توقف “”أوفيسر”” عن مضغ الطعام وحملق بي بقوة، لكنه استدرك شحنة الذهول الممزوجة بالغضب التي تكونت في عروقه، ورسم ابتسامة على عينيه وشفتيه، ونوعا من الرقة على جلسته. لم يدر حديث بيننا، إنما تبادلنا ابتسامات خفيفة علامة على الترحيب من جهتي والشكر من جهته، حتى ملّ ونهض مغادرا السماء العاشرة.

  • قمعت استرسالي بالحديث، شككت ب”أوفيسر”، كان يدّعي الثمالة، ولم يحتس سوى كأسين من نبيذ خفيف، ورغم ذلك تصرّف كأن نبيذ كرم عنب يسير في شرايينه، نظرت إلى شاشة التلفاز وفكرت في طبيعة العلاقة التي يمكن أن تجمع المسعودي بحارس البناية، إذ لا يمكن أن تغيب عن باله فكرة استقطاب “أوفيسر”، فالصورة الحقيقية للسكان تكون ناقصة دون وصف حارس البناية لهم، هو المراقب الملاحظ العارف ببواطن أمورهم ومشاكلهم وطموحاتهم، فكل ساكن يطمح بعلاقة استثنائية مع حارس البناية، وكل امرأة في البناية تخطط ليكون الحارس تحت أمرها مطيعاً مساعداً معيناً لها في حمل أكياس التسوّق وشراء الحاجيات السريعة من البقالة، والعين التي تراقب زوجها حين تسافر أو تزور صديقاتها. هذا المصدر المهم لا يمكن أن يغيب عن المسعودي، وربما تكون تفاصيل تلك السهرة المفتوحة في صبيحة اليوم التالي لدى المسعودي.

  • لم أعد أرغب به يا دكتور، ما رأيك لو..).

  • إنه رأيك يا سيدتي

  • كلا، ما رأيك لو نكون أصدقاء؟

  • هاجت أعصابي في البداية لكنني تداركت أمرها، كانت تعني بكل بساطة استبدالي بالكلب، لأقوم مقامه في العض واللهاث ومصمصة العظام. اشمأزت نفسي من مجرد التفكير في صورتي وأنا أحل محل الكلب، وأدخل في المكان الذي كان يلجه أو يلعقه، فهدأت وقلت مبتسماً ممتصاً ردة فعلها المحتملة: (ما اسمك يا سيدتي؟)

  • اسمي “دوغي..”.

  • هذا يسعدني يا سيدة دوغي، لكن من الصعب أن أكون …).

  • لا تريد أن تكون كلباً، قلها يا دكتور، لكنني لم أقصد ذلك، أنا من تريد أن تكون كلبة، كلبتك، هل تخيلت امرأة كلبة، تقبض عليك فلا تتمكن من الخروج والهرب، وتبقى طوال الوقت تصارع الخروج، وفي أثناء ذلك، تكون قد انتشيت مرة ثانية فتشتد عضلتك وتواصل حتى تذوب؟ انزعجت بشدة وعبرت عن استنكارها لوصفها بالحيوانة وطالبتني بالاعتذار فاعتذرت، وواصلت مسرحيتها وسألت عن ذاك الصديق. (4)قطعت تساؤلي وفتحت الباب بسرعة، لمحت مخلوقاً يغطي ظهره ورأسه بعباءة ويهز مؤخرته الممتلئة بهدوء، يمينا ويسارا وإلى الأعلى والأسفل، ويقف على أربعة. مرت المرأة التي حضرت إلى العيادة سريعاً في ذاكرتي. أفسحت الطريق فدخل “الكبش”؛ جسد أكبر من خروف وأصغر من عجل، ظل يتمايل حتى وصل الصالون:

  • صدق المسعودي، شممت رائحة مثيرة قبل سماعي لطرقات خفيفة على الباب، كانت مزيجاً ما بين الخزامى والمسك ورائحة العشب. تأخرت متعمّداً ونظرت من العين السحرية فلم تقتنص عيناي أحدا، انتظرت أكثر، سمعت خربشات على أسفل الباب. هل أرسل المسعودي كبشاً حقّا أم أن في الأمر خدعة ما؟

  • تبادلنا رقمي هاتفينا وقلت لها أن تنتظر اتصالا مني في المساء، وعليها الحضور في الوقت الذي نحدده لأعرفها على الصديق الفحل الذي سيتلذذ بعملية الالتصاق بها. لم أشرح لها شروط العملية التي وصفتها، فإتمامها مشروط بتوفر عضو كلب ذكر ينتفخ جزء منه داخل مهبل الكلبة التي تتمتع بعضلات قوية تقبض عليه، وهذا الشرط غير متوفر عند الرجل أو المرأة، إنه متوفر عند الكلاب فقط. لكن من يدري، ربما طول العشرة يجعل الأعضاء تتبدل!

  • كانت الصورة مثيرة جداً، وقد أجادت وصفها، لكنها من حيث لا تدري وصفت كلباً مع كلبة، فقلت لها مداعباً: (لا شك أن المشهد غريب واشبه بالأسطوري، ولكن لدي صديق يمكن أن يقوم بهذا الدور، فمعظم علاقاته مع الحيوانات..).

  • أنا كبش الفداء يا سيدي، افعل ما شئت؟ قال لي المسعودي إنه ملكي، والتمتع به يفوق متعة ذبحه وتقديمه كقربان، وربما تفوق فرحة الإله بالدم. حاولت الاقتراب من المخلوق وإزاحة العباءة عنه كما تُزاح ستارة المسرح فاعترض: (أرجوك يا سيدي، إبقِ على هيئتي الآن كما هي..لدقائق قليلة فقط).

  • تحرّك بي كل شيء وأنا لم أعرف بعد طبيعة المخلوق، نهض الحيوان بي من غفوته وتمدّد في مفاصلي. أربكني المسعودي اللعين، وددتُ أن أهبط من سمائي العاشرة فأخترق سطوح الأدوار كلها وأنقض عليه ركلا وتقبيلا وأصب عليه جام غضبي ولعنتي، لكنني تذكرت وعد “دوغي” لي بزيارته في الوقت ذاته؛ بعد الغروب بقليل، ككلبة تبحث عن كلبها.

  • كبش يتحدث بصوت أنثوي مثير، وتفوح منه رائحة عطر بالغة الإغراء! كانت له مؤخرة مستديره مغناجة، ترتجف تحت العباءة السوداء، هل أذبحه؟

  • بماذا تفكر يا سيدي؟

  • حضرني صديق، هو ذاته الذي أرسلك على هذه الهيئة المقيتة الجذابة، فكرت في زيارته لشكره على هديته لكنني تذكرت إرسالي كلبة له تؤنسه ويؤنسها، وأخشى أن يلتصقا حتى الصباح. حملقت بعباءة الكائن علّني أخترقها وأتبين الجسد المتلوي دون جدوى.ضحك الكائن الغامض أيضا: (استدر يا سيدي فأنا لا أقوى على النظر إليك وقد نبت غصنك المزدهر بكأس وردي..).كانت امرأة تفيض غواية، تسدل شعرها على وجهها وترقص بليونة ظل، لم تعطني ظهرها وهي تتلوى كمارد صغير له نهدان يقطران مِسكا، وخاصرة مليئة بالجمر تهتز ثم تميل وترسم في الفضاء الضيق دائرة تصدر عنها نداءات لمخلوقات تختفي تحت الخلايا.

  • ظلت تؤدي رقصاتها حتى بدأ جسدها ينز عرقاً بنكهة النبيذ وبعض لونه، كأن خلاياها كانت مسكونة بعناقيد عنب.

  • ألقت عباءتها عليّ وأنا مغمض العينين، كنت أشعر بحركات حولي، وبأنفاس أكثر منها تأوهات، لم أشعر أن الكائن يرقص وإنما يطوف حولي ويتمتم، فخفّف من حالة القداسة التي اعترتني. الحالة كانت كفيلة بجعل أغصان شجري تنحني. طردت النبيل المبارك الحالم بقتله نحو الشقي العادي المرتبك بوجوده: (سأفتح عينيّ..)

  • أقفلت الباب بالمفتاح، لم أتردد في التعرّي، لم أقم بهذا منذ ولدت، كنت أخجل حتى من أمي حين كنت طفلا، وأرفض دخولها لفرك جسدي بالصابون، وكانت تضحك كثيرا.

  • هزّ المخلوق الغامض مؤخرته قليلا: (إنه حيوان دنيء، بل أكثر دناءة من حيوانات الشوارع، لكن أرجو أن تنساه أو تتناساه الآن، أريد أن أطلب منك أمراً يا سيدي، أنا لا أرتدي شيئا، ولهذا أريدك أن تتعرى وتصبح كما ولدتك النجوم، ثم سألقي عليك عباءتي وأبدأ بالرقص حولك، وعدني أن تُبقي عينيك مغمضتين لمدة خمس دقائق، وبعد ذلك لك حرية الفتح والمراقبة من خلف الأسود قليل الشفافية.

  • يمكنك الجلوس يا سيدي فأنت تعب جداً، أتألم لما أنت فيه، يبدو أنك كنت تشرب عصير قصب السكر كثيرا وأنت صغير. تخيُّلُ المرأة أمتع من النظر إليها، صوتها الدافق كالمخدر في الشرايين كان يلامس عينيّ اللتين أغمضتهما حين بدأتْ بالحديث، أسرت بي إلى سماواتها ووضعت على رأسي تاجاً مجدولاً من أغصان الزيتون الرفيعة الخضراء. حلّقت إلى عوالم لم أصلها من قبل طيلة حياتي، قالت: (أنت الآن ابني، ولدتك الآن، حليبي منحة لك، حين تحتسيني ستكبر ثلاثين سنة دفعة واحدة، كالخرافات اللذيذة والأساطير الثملة، وتكون رجلي خلال ثوانٍ، وأكون حقلك تحصده متى ما شئت، وأينما شئت، وبالطريقة التي تشاء، بماكينة قلبك! بمنجلك! بورود أصابعك! بكفيك القويتين!) حين استكملت يقظتي لم أر المرأة الكبش القربان! ولم أجد عباءتها تغلفني، وجدت جسدي ممدداً وكل أطرافي ساكنة هادئة، وحولي تموج رائحة الخزامى والمسك. نظرت إلى ساعة الحائط واكتشفت أنني نمت أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، استيقظت كمريض يتخلص من “البنج” بالتدريج. وحين اكتملت يقظتي لم أغضب، بالضبط كإحساس مريض بالجراح.غادرت ولم أتبيّن ملامح وجهها، ظلت تغطيه بشعرها الغجري المثير، ولم أطلب منها كشفه، كأنني أردت المحافظة على الطقس التجريدي في تلك الليلة السريالية، لكنها، وكما يبدو، وقبل أن تغادر الشقة الملعونة، ولم أتبيّن وقت مغادرتها على وجه الدقة، كانت تردد: (خلصني من ذاك الحيوان، وأكون لك طوال الحياة).هل كانت تلك الجملة تدور حقاً أم اختلقتها كراهيةً بالمسعودي ووقوفاً إلى جانبها بعد المتعة الجهنمية التي منحتها لي؟ (5)لقد جعلته يظن بيسر دخولي إلى لعبة الرجل المبارك، وربما كان يشك بينه وبين نفسه أنني أمثل أيضا. ثم أنني تآمرت على ذاكرتي ووعيي بعدم الانتباه والتفكير بمسألة الكائن الذي زارني، رغم أنني شككت بشخص معصومة؛ الامتلاء نفسه، المؤخرة المستديرة ذاتها، الصدر الصلب الراقص ذاته، مع اختلاف في الرائحة والصوت والقدرة المدهشة على إدخالي في عالم النشوة الافتراضية، كانت تفوح من جسدها رائحة غريبة، كأنها ضمخت جسدها بالمورفين أو الهيروين. لعبت بخيالي لعبة التهيؤات، فغيّبت فكرة عناق الجسد للجسد، وأرهقتني دون ملامسة، وظلت عباءتها تلفّني وتفصل بيننا، ربما كانت عباءتها أيضا معبأة بالهذيان، كانت رائحة تمزج بين العطر الفرنسي والعربي ومادة كيماوية تشبه رائحة المشافي والحقول. ربما فعلت ذلك بقصدية حتى تبقي الشهوة متقدة، والخيال مشتعلا، مع إطلاق شرطها في فضاء البيت: (خلصني يا دكتور من ذاك الحيوان)..كل تلك الصفات والقدرات كانت محيرة لرجل مثلي، كيف استطاعت الجمع بين الانخفاض والعلو، بين أن تكون رخيصة ممزوجة بالنبيذ وكل أنواع الكحول وربما المخدرات، وبين أن تكون امرأة تمثل دور القربان المقدس؟ أصبحت زيارة المسعودي أكثر من ضرورة، لا لفك طلاسم معصومة و”دوغي” و”أوفيسر”، وإنما لمواصلة اللعبة بوضوح أكثر، فقد أراد رجلاً مباركا يلجأ إليه لدعم تفسيره للأحلام، وهذا يعني كان أنني ساقابل شخصيات مهمة. لكن زيارتي له بعد مغادرة الكبش المرأة القربان لم تكن لذاك السبب، كانت لسبب أكبر لم أحدده بعد، ولهذا لم أتردد في الهبوط، ولو كانت معصومة و”أوفيسر” والكبش والمرأة وسمير أمامي لرددت: (اهبطوا جميعاً معي لتروا كيف سأضرب به فيصل إلى سابع أرضين..)(سمعت صوتاً يشبه أنين كلب ينتظر عند الباب الخارجي لبيت في طقس شديد البرودة، لم يكن عواءً ولا مواء، كنت منشغلا بتفسير حلم رجل يرى فرساناً يطاردونه في الفيافي، ويحملون سيوفاً حادة، وهو يولّي الأدبار بسرعة أدهشته، وظل يركض حتى وصل كثيّبا عالياً لم تستطع الخيل والفرسان اجتيازه لنعومة رمله، وكانت هناك نخلة واحدة ووحيدة على قمة الكثيب، تسلقها حتى بات في وسط سعفها، فتراجع الفرسان مرهقين. كنت أبحث عن تفسير منطقي، كل من يلجؤون إلي لتفسير أحلامهم يرون أنفسهم مطاردين مهدّدين بالقتل والذبح والحرق، ويرون نساءهم سبايا يُغتصبن أمام أعينهم وعاجزين عن حمايتهن. وبعضهم كان يرى البحار تنحسر لتظهر فيها أسماك القرش وقد نبت لها أرجل كثيرة وتندفع نحوه. والبعض كان يرى الجبال تبتعد، معظم الحالمين كانوا يرون الفراغ يسود الأمكنة، الأرض تبتلع الأشجار، والبشر يغيبون في ضباب كثيف، الوحدة كانت سيدة المشهد، العزلة القاتلة كانت تصدر موسيقى الوحوش. إنه الرعب أيها الغزالي، كيف لي أن أفسر هذه الأحلام أو أستفيد منها، أليست علامات القيامة أيها المبارك..!)(الصوت المتكرر للعواء الأقرب إلى أنين امرأة محتقنة بشهوة غليظة، انتشلني من تلك الأحلام التهيؤات الكوابيس، لم تكن سوى امرأة أربعينية حافظت على جاذبية فتاة في العشرين. سألتها إن كان الصوت الذي سمعت صادراً عنها فأجابت بابتسامة، دخلت دون استئذان، كانت رائحتها كرائحة المني الممزوج بعطر العنبر. قالت: “وصفك الطبيب لي، فقد هرم صاحبي الذي كان يعلق في داخلي لساعات، وكل قطعة من رحمي تنادي، أنا كلبتك المطيعة يا سيدي”. أنا خجل منك أيها المبارك، لكن لا بد من استكمال القصة. خلعت قميصها فبان الجزء العلوي كاملاً، ولا أدري كيف تخلصت من تنورة فضفاضة لتظهر كما خلقتها الغابات، بدأت تحبو حولي لاهثة، تقرّب أنفاسها من مؤخرتي وبين فخذي، ثم تستدير بحركة سريعة وتتلوى أمامي. وجدت نفسي عاريا كقرد، أو لأكن أكثر دقة ككلب، ووجدتني ألهث مثلها، وأخرج لساني الذي أدهشني طوله، شممتها من مكانها الحساس فنبت لي غصن لم أختبره في حياتي بتلك القوة والتمدّد، وعلقت هناك، كلما صرخت كنت أشتد من جديد حتى أفرجت عني، ورحت في غيبوبة امتدت لأكثر من ساعة. حين نهضت شممت رائحة جعلتني أتقيأ الطعام الذي صرفت أكثر من ساعتين في تحضيره، كان فتة عظام. اغتسلت ثلاث مرات ولم تغادرني الرائحة. ورغم ذلك استبد بي إحساس بطلبها من جديد..)

  • قلت للمسعودي: (لا عليك، سأحضرها لك متى شئت لتنبحا معاً حتى الفجر أو العصر، ولكن هل أنت واثق من حقيقة ما سردت، أم أن أحلام الآخرين اختلطت بتهيؤاتك فأنجبت كلبة اعتصرتك حتى أُغمي عليك؟).

  • كنت قد هبطت إلى المسعودي مرتديا سروالاً قصيراً وفانيلا، ورغم ذلك أصر على مناداتي بالمبارك.

  • (6)

  • لم أصل إلى أي نتيجة، وفي لاوعيي لم أكن أريد أن أصل. كانت المؤامرة والتواطؤ في أقذر تجلياتهما، معها ومع المسعودي. هل تواطأ “أوفيسر” مع فكرة يخبؤها وادعى الثمالة عندما جلسنا نحتسي النبيذ أيضا؟ لم يبتلع أكثر من كأسين، لكنه رسم على صوته ووجهه وأطرافه علامات الثمالة، وغادرني دون اعتراض على رعونتي المفاجأة، ولم يسأل عن القدسية المفاجأة التي أحطت بها نفسي، ولا عن تلك العباءة.

  • هي ذاتها، إن كانت هي، من وصفت نفسها بالحيوانة حين زارتني في العيادة، وهي ذاتها التي سمعها “”أوفيسر”” تصرخ بالمسعودي: (أنت هو الحيوان، يجب أن تذهب للعلاج في الدور العاشر..). وإن كانت هي معصومة، فهي بدون أدنى شك امرأة الهمنغواي.

  • حين وضعت رأسي تحت صنبور المياه الباردة، ونفضته كرأس حصان يطرد الحشرات عن أذنيه، شعرت أنني تواطأت مع المسعودي على نفسي، بتقبّلي ذاك الكبش الشهي قرباناً ليفدي به نفسه، وكان يعلم أنه ليس ابني أو أخي ولا يمت لي بصلة قربى، ولم أكن أعرفه معرفة حقيقية، فقصته مع الدراسة لا تنطلي على طفل صغير، ولم تكن لهجته واضحة، كانت مزيجاً من عدة بلدان وأمصار وينطقها كرجل إنجليزي أو فرنسي أو روسي أو ألماني، حتى هيئته كنت أشعرها مركبة.

  • لم أتعب عقلي بالإجابة واستسلمت لنوم قصير لذيذ مجددا،ً استيقظت منه على صوت إقفال باب شقتي، وحتى أتهرب من التفكير مجدداً بمؤامرة محتملة، كأن يكون أحدهم قد تسلل إلى الشقة، وتابع المشهد، أقنعت نفسي بأنه باب الشقة المقابلة.

  • وظلت تدور الجملة في أرجاء البيت كالهمهمات: (خلّصني يا دكتور..).

  • لم يثر الشك في رأسي المتمايل، ولم ألعنها، باركتها وتمتمت بكلمات مشبعة بالبخور حول مؤخرتها التي نقشتها في مخيلتي، وتركتها فكرة عائمة محلقة في شراييني، متعة غيابها تساوت مع متعة حضورها.

  • كانت هيئتها تتناثر على حقول النرجس وبساتين الرمان وغابات الصنوبر، خدّرت روحي فغبت. تمنيت ألا أجدها حين أفتح عينيّ.

  • ما كدت أجلس حتى ألقت بجسدها الثمل في حضني، واحتضنت وجهي المحاط بقماش العباءة الناعم: (ها أنت بين يدي أخيرا، كم تمنيت هذه اللحظة، هذا أجمل ما فعله المسعودي في حياته، وهذا هو عمل الخير الوحيد الذي أسداه لي، ما أجملك وأنت محاط بالليل الشفاف، ونجومك ملتهبة، وعرقك يبلل عباءتي، وماؤك يدفق ساخناً، كنت على ثقة من أنك خيل أصيل، فقد صهلتَ وفاض غصنك ولم تمسس خليةً منّي بعد، فكيف إذا أسكنتك نهري وجعلتك تقطف شقائق النعمان عن ضفتيه! إلى أي سماء ستصل، وأي ثمار نجوم ستسقط في يديك! هل اكتفيت من قربانك يا سيدي أم ترغب في ذبحه..).

  • أتزرع الشك في قصتي أيها المبارك؟

  • هل وجدتها حين استيقظت؟رد المسعودي مستنكراً: (صحيح أنني أرسلتها إليك، لكنني لم أعاملها كحيوانة، لم أمتطيها ولم أعلق بداخلها ولا أحب رائحة الحيوانات أيضا.).

  • نفى أن يكون قد وجدها إلى جانبه، لكنه قال بأن اللهاث كان يتردد في أنحاء الشقة الملعونة، فقلت: (وأنا لم أجدها أيضا، ذلك الكبش المرأة القربان الفدية، لكن صوتا كان يتردد في أنحاء الشقة الملعونة أيضا يقول: (خلصني من ذاك الحيوان يا دكتور، وأكون لك طيلة الحياة..)، ربما كانت تقصد رجلا يعاملها كالحيوان، وأثبتَّ أنت الآن أنك ماهر في التعامل مع الكلبات..!)

  • لكنك تشتاق للكلبة الآن. قال: (ربما أرسلتْ امرأة أخرى، فالمرأة التي أرسلتها لك لتفديني ليست كما تصف مطلقاً، وهي أبعد عن السحر والعطر والانتشاء، هي أشبه بالدمى التي تتحرك وفق أوامر صاحبها، أجزم أنها أرسلت امرأة أخرى، وادعت أنها هي، لتطلب منك تخليصها منه، دعنا من هذا ولنبدأ العمل..).قال المسعودي بلغة صارمة: (هيئ نفسك لأول جلسة مساء الغد، سيزورني رجل مهم، هو صاحب الحلم الذي حدثتك عنه في البداية، رأى في منامه أنه مطاردٌ في الصحراء، وعليك معاونتي في قلب حلمه لصالحه..).

  • قلت للمسعودي بلا مبالاة: (جئت لشكرك وأقتلك، أما وقد شكرتك بحضوري فإن قتلك سيكون في غيابي، سأعود الآن إلى شقتي الملعونة..).

  • أراد الخروج من قصتينا، لكنني قلت: (لكنها، وأعني الكبش، كانت تتمتع برائحة ساحرة تجعل النفس تنتشي وتنتصب، لقد نقلتني إلى عوالم سحرية، وجعلت مائي يتدفق رغم أنني لم أواقعها..).

قال: (ربما أرسلتْ امرأة أخرى، فالمرأة التي أرسلتها لك لتفديني ليست كما تصف مطلقاً، وهي أبعد عن السحر والعطر والانتشاء، هي أشبه بالدمى التي تتحرك وفق أوامر صاحبها، أجزم أنها أرسلت امرأة أخرى، وادعت أنها هي، لتطلب منك تخليصها منه، دعنا من هذا ولنبدأ العمل..).

قلت للمسعودي بلا مبالاة: (جئت لشكرك وأقتلك، أما وقد شكرتك بحضوري فإن قتلك سيكون في غيابي، سأعود الآن إلى شقتي الملعونة..).

قال المسعودي بلغة صارمة: (هيئ نفسك لأول جلسة مساء الغد، سيزورني رجل مهم، هو صاحب الحلم الذي حدثتك عنه في البداية، رأى في منامه أنه مطاردٌ في الصحراء، وعليك معاونتي في قلب حلمه لصالحه..).

اترك تعليقاً