مليح اللي صار هيك ولا غير هيك…! ………….

كل عام وأنتم بخير، هل هي جملة صحيحة وتقال في موضعها؟ أم أن الحالة الببغاوية استوطنت الألسن التي لم تعد تدرك ما فعلته الألسن الأخرى بها؟

كل عام وأنتم بخير، جملة تفترض أن العام الماضي كان الناس في خير، ويأملون أن يستمر هذا الخير، فهل كان العام الماضي وما سبقه والأعوام التي مضت تحمل الخير للناس؟

يرد البسطاء من الناس بالقول: (تفاءلوا بالخير تجدونه)، وهي مقولة تشبه جملة (مليح اللي صار هيك ولا غير هيك)، ويكون اللي صار فجيعة، فماذا سيكون (اللي غير هيك). هل هو قبول بالقدر، أم أن المتوقع دائما أكثر فجائية ودمارا؟

الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، في روايته الشهيرة “ظهور واختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” أورد مشهداً لعريس ارتاد البحر للصيد في صبيحة عرسه، فتلاطم الموج وكسر قاربه ومزق العريس مزقا، وحين أحضروه أشلاء إلى البيت قالت أمه: (مليح اللي صار هيك ولا غير هيك..!). وقد نفسر قولها قبولا بالقدر، ولكنه في واقع الأمر كانت تتوقع أن يهيج البحر ويغمر المدينة كلها ويمزق كل الصيادين والعرسان.

واليوم، عشرات الملايين من اللاجئين العرب، مئات الآلاف من القتلى، عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمعاقين، عشرات الآلاف من الأرامل واليتامى، ورغم ذلك، يتبادل الناس التهاني بالعيد (كل عام وأنتم بخير!…).

سيعترض كثيرون على حروفي ولغتي، وسيعدونها تشاؤما وهزيمة وسيرفعون في وجهي آيات وأحاديث تتعلق بضرورة الفرح، وسيتفلسف أحدهم بإطلاق الجملة الممجوجة، بأن الحزن في القلب.

آه من هذا الحزن الذي يستوطن القلب على مدى عقود وقرون، هذا الحزن الذي يغذيه الجهلة في حروبهم الدينية والمذهبية ويعيدوننا إلى عصر الأصنام والجاهلية وحروب داحس والغبراء، وقد يأتي أحدهم ليقول: (مليح اللي صار هيك ولا غير هيك..)، ويدعو إلى الفرح، لأن (الحزن في القلب).

لا يا سادتي، (مش مليح اللي صار) على كافة الصعدة، وأمر مخجل (اللي صار)، وكفى الاختباء خلف الإصبع. ويجب أن يخرج الحزن من القلب إلى الوجوه، والعمل على استبداله بالنصر والفرح، مرة واحدة فقط، اخرجوا الحزن من القلب، ولا تقولوا (مليح اللي صار هيك ولا غير هيك)، فلن يحدث أسوأ مما حدث، والقلوب امتلأت بالدموع، حتى بدأت تسير في الشرايين بدلا من الدم.

قليل من الحياء وعدم الضحك على أنفسنا، قليل من المواجهة مع المصائر التي تتجسد أمامنا ولم تعد في حاجة إلى تحليلات، قليل من الكثير الذي يجب أن يُعمل.

###

وتسألني امرأة: لماذا أنت حزين، ويذرفك الدمع؟

فشلت في الرد، وأبحر فيّ الوجع

(أنور الخطيب)

  1. شفيق ساحلية قال:

    والله صدقت ايها العزيز انور عقود انقضت ولا زلنا نخبيء الحزن في القلوب لله درنا ما اشطرنا في صناعة الكذب ودعائنا ان نحتفل بالعيد في القدس المحررة في العام القادم وكانه حقيقة مؤكدة
    اتمن من الله ان يعيد عليك الاعياد القادمة باليمن والبركة ودائما ان تكون بخير

    1. admin قال:

      أشكرك يا صديقي العزيز شفيق، فعلا إنهم يجيدون فن صناعة الكذب، حتى على التاريخ، كل عام وأنت صديقي الجميل..كل عام وأنت بصحة وخير وسعادة

اترك تعليقاً