الأونروا والفلسطينيون .. الطلاق المحتوم
أنور الخطيب
تُعرّف الأونروا عن نفسها في موقعها الإلكتروني بأنها (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، وتعمل على المساعدة والحماية وكسب التأييد لحوالي خمسة ملايين لاجئ من فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم، وويتم تمويل الأونروا بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتشمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح).
وتقول الأونروا التي تم تأسيسها عام 1948 وبدأت عملياتها في العام 1950 أنه (وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2017).
وكانت الأونروا تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن حوالي خمسة ملايين لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا.
قد تكون المعلومات معروفة لكن إعادة التذكير بها يكتسب أهمية للفت الانتباه إلى أكثر من نقطة.
أولا: إن تمويل الأونروا يتم بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ثانياً: تم تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران/يونيو من العام 2017، أي تنتهي بعد عام وأربعة أشهر.
ثالثاً: بدأت الأونروا عملها وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين 750 ألفا، والآن يوجد خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
من الواضح أن تراجع خدمات الأونروا يعود إلى تناقص التبرعات الطوعية، ومع انشغال الدول باللاجئين الذين يتدفقون من سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والمغرب العربي وإفريقيا، فإن التبرعات ستستمر في التناقص، إلى أن يأتي يوم تتوقف فيها كلياً، وقد بدأت نذر هذا التوجه تظهر جلية في قرارات الوكالة. فالدول التي كانت تتبرع لـ750 ألف فلسطيني، لن تواصل التبرع لإغاثة خمسة ملايين فلسطيني. ناهيك عن أن الدول العربية الرئيسة صاحبة المساهمات الأكبر، مشغولة الآن في تمويل قضايا وحروب ولاجئين جددا، وبعض الدول استنفذت إمكانياتها وأعلنت عجرزها.
أما النقطة الأخرى في المعلومات التي تعمدت الأونروا ذكرها في موقعها الإلكتروني تتمثل في ذكرها لتمديد فترة تقديمها لخدماتها للاجئين الفلسطينيين إلى 30 حزيران/ يونيو 2017، ويمكن اعتبار هذه المعلومة إنذارا للفلسطينيين، أو ربما للدول المانحة أو المتبرعة. وفي الحالتين فإن الوكالة تدق ناقوس الخطر، وهذا يعني، أن هناك توجها للأمم المتحدة بإغلاق الأونروا كلياً، ما يعني أحد أمرين: الأول، التخلي عن الفلسطينيين وتركهم لمصائرهم، والثاني، ممارسة الضغط على الحكومات التي تستضيف اللاجئين لتوطينهم أو التواطؤ مع دول أخرى لتهجيرهم، أو في أسوأ الأحوال افتعال معارك في المخيمات تؤدي إلى قتل البعض وتهجير البعض الآخر وتوطين ما يتبقى، أو الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية لتقديم تنازلات فوق التنازلات والخضوع لسياسات العدو الصهيوني.
الأونروا قدمت خدماتها على مدى 66 عاما حتى الآن، ولا أحد ينكر أن تلك الخدمات، على بساطتها وضآلتها، كانت مهمة لبقاء اللاجئين الفلسطينيين على قيد الحياة، مع التمسك بهويتهم وحقوقهم والاستمرار في نضالهم بأنواعه كافة. لكنها في المقابل لم تنشر بين الفلسطينيين الوعي الاقتصادي والأساليب الإنتاجية، ولم تضع خططا ليعتمد الفلسطينيون على ذاتهم في تسيير أمور معيشتهم.
الأمر الأهم أن الفلسطينيين أنفسهم اتكلوا على الأونروا واعتقدوا أن خدماتها أبدية، وظلوا أسرى لسياساتها وخدماتها المحدودة حتى اليوم، وحين تقوم الوكالة بتقليص الخدمات يخرجون للتظاهر ويقفلون المؤسسات التعليمية والصحية ويهددون ويتوعدون.
الأمر المهم الثاني هو أن الدول العربية التي لجأ إليها الفلسطينيون تركت مصيرهم للأونروا ولم تبادر في تطوير مخيماتهم أو تحديث البنى التحتية، أو تطوير الموارد البشرية، فقد اعتمدت اعتمادا كليا على الأونروا، بل وقفت بعض الدول موقفاً غريبا مثل لبنان، الدولة الوحيدة التي تمنع الفلسطينيين من العمل حتى هذه اللحظة، وفي المقابل تستورد العمالة من الخارج لتشغيل مؤسساتها الخدمية.
الأمر المهم الثالث هو أن التنظيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن لم تقم بدورها التنموي للموارد البشرية الفلسطينية، وتركتهم يتخبطون في تحصيلهم العلمي والصحي والمعيشي، ولم تنشر بينهم الوعي لإدارة شؤونهم الاقتصادية بأنفسهم.
الصورة قاتمة الآن، الأونروا قد توقف خدماتها في 30 حزيران/ يونيو من العام 2017، أي ستغلق المدارس – ويقال أنها قررت إقفال المدارس الثانوية- وستغلق العيادات، وستتوقف عن المساهمة في العلاج. فما هو الحل؟
إن التباكي على الماضي لن ينفع الآن، وتوجيه أصابع الاتهام لن يجدي، ولا بد من وقفة حاسمة للتفكير في الوسائل التي تجعل الفلسطيني لا يعتمد في حياته على الأونروا، وأن يتحرر من أسرها له بالتدريج. وهذه مسؤولية الخبراء الإستراتيجيين ورجال الأعمال ورأس المال الفلسطيني، والتنظيمات الفلسطينية، والنخب والمثقفين، والأهم من ذلك، مسؤولية الشعب في أن يقوم بعصف ذهني مصيري والبدء في تنفيذ خطوات حتى لو كانت بسيطة.
هناك تجارب كثيرة في العالم يمكن الاستفادة منها في كيفية تنمية المجتمعات الفقيرة، عن طريق العمل الجماعي والنقابي والتعاونيات والأسواق الجماعية، وخلق فرص عمل عن طريق المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية وخارجها. وتفاصيل عمل هذه الكيانات والمؤسسات لدى النخب الفلسطينية الثقافية والاقتصادية الواعية والمنتمية لهيوتها الفلسطينية.
شعبنا الفلسطيني في الشتات يحتاج إلى إعادة هيكلة مجتمعية وعملية تأهيل وطني من جديد، وهذا لن يتم إلا بتعزيز كافة صور التلاحم والاحترام والتقدير بل والتقديس بين الفلسطينيين أنفسهم.
إن المهاجرين الفلسطينيين من المخيمات والعاملين في دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا وكافة دول الشتات، على استعداد للمساهمة الجادة في دعم هذا التوجه. فالفلسطيني بات وحيداً الآن، ولن يشد أزره سوى أخيه الفلسطيني. وليرفع الفلسطينيون شعارات لا بأس في أن يفهمها الآخرون عنصرية، ولكن لا بد من رفعها، لا بد من إطلاق صيحات وشعارات وفلسفات تزرع في دم الفلسطيني التميز والتفوق والاختلاف، لأنه في الواقع مختلف في تحمل المعاناة وجبار في مواجهة كل هؤلاء الأعداء الإسرائيليين وغيرهم. فمن سيبدأ بالخطوة الأولى.. ! وللحديث بقية.
جريدة الحدث الفلسطيني http://www.alhadath.ps/index.php