أنور الخطيب: المثقف العربي مصطلح فضفاض جدا | |||||
|
|||||
العرب أوس داوود يعقوب [نُشر في 01/02/2016، العدد: 10172، ص(15)] | |||||
تتعالى الصيحات في مختلف أنحاء الوطن العربي حول ضرورة إحداث تغيير في مختلف مجالات الحياة العربية وعلى رأسها المجال الثقافي. وفي خضم حركة الشارع والتململ العام بعد مرور خمسة أعوام على ربيع تونس، والزلزال المدمر الذي أصاب سوريا، والخضات المتسارعة التي تحدث هنا وهناك، يتساءل كثيرون من مختلف الأوساط الفكرية والثقافية والشعبية عن دور المثقفين في قيادة التغيير أو في المساهمة بدفعه إلى الأمام، أو على الأقل في عدم عرقلته، مفترضين أن للمثقفين دورًا، ومن المهم الاضطلاع به.خلية نائمة وللوقوف على وجه من أوجه الحقيقة حول دور المثقف في صناعة الرأي العام العربي اليوم، وهل غاب المثقفون العرب فعلا عن صناعة الرأي في بلادنا العربية؟ تســأل “العرب” الشاعــر والــروائي الفلسطيني أنور الخطيب، عن ماهية هذا الدور، فيقول: قبل طرح سؤال مهم كهذا، علينا أن نسبقه بسؤال فيما لو كان للمثقف أي دور في صناعة الرأي العام العربي، وأزعم أن طرح السؤال بصيغته الحالية يحمل إجابة عن سؤال يسبقه، فالمثقف العربي، وهو مصطلح فضفاض جدًا، يعيش في ساحة ثقافية يمكن تعميمها على الساحات الثقافية العربية كلها، وهي ساحة مرتبكة تراجعت في السنوات التي سبقت ما يسمى بالربيع العربي، لتنشغل في التنظير البعيد عما يشغل عامة الناس، وتنشغل حاليًا بالاصطفافات الصامتة. يضيف الخطيب: في مرحلة ما قبل الربيع العربي كان المثقف الحر على تصادم خجول مع السلطة، وما بعد هذه المرحلة أو خلالها، انسحب كليًا، لأنه أصبح يواجه أكثر من سلطة، وأغلبها يتخذ السحل والمصادرة أسلوبًا، ولنا في ساحات الربيع العربي أدلة دامغة، وبالتالي، فإن المثقف العربي فشل فشلًا ذريعًا، ليس في صناعة الرأي العام العربي فحسب، وإنما في حدوده الدنيا وهي، المشاركة في صناعة الرأي العام، فهو بكل بساطة غير مشارك في صناعة القرار، ويعيش في بيئة تنظر إليه كخلية نائمة، فلا تطمئن له وإن والاها، ناهيك عن ضعف حرية الرأي، فإن لم يتمتع المثقف بحرية الرأي، وبالمشاركة في صناعة القرار، فأي دور ينتظر منه ليقوم بفعل كبير لم يستطع القيام به المثقف في العالم الحر، في صناعة الرأي العام، فالرأي العام تحتكره وسائل إعلام تابعة كليًا لسياسات دول، وسياسات شركات عابرة للقارات، وفي أحسن الأحوال، تابعة لشركات تطمح إلى ترسيخ التفاهة والتهميش بين الناس.
يتابع صاحب “وردة عيسى” حديثه قائلًا: يحتاج المثقف العربي إلى انتفاضة داخلية على نفسه أولًا، يعيد بها ترتيب أولوياته، وعليه أن ينجح أولًا في صناعة رأي عام في محيطه السري بطرق ديمقراطية إنسانية، ثم ينطلق إلى المجتمع الأكبر، ودون هذا، لن يتمكن من القيام بأي دور، لأنه بكل بساطة مصاب بانفصام الشخصية المدعوم بشيء من الانتهازية، وهذه الشخصية لن تصنع رأيًا عامًا. وإجابة عن سؤالنا: هل أن الثقافة العربية عبرت بطريقة أو بأخرى عن المخاضات والخضات والانتفاضات العربية؟ أم أنها قصرت في ذلك وما هو السبب؟ يقول أنور الخطيب: بعد الخضات العربية التي عمّقت الانقسام في السياسات العربية ومجتمعاتها، بات لزامًا علينا الحذر ونحن نستخدم المصطلحات ذات الصلة، والثقافة العربية ليست بمنأى عن تلك السياسات، إذ لا يزال المثقف العربي تابعًا للسياسي، ناهيك عن تبعيته المستجدة للديني، وفي هذا الشأن حدث ولا حرج، إذ تؤكد هذه الانقسامات أن كل جهود وزراء الثقافة العرب، ومعهم المثقفون العرب، باتحاداتهم ونقاباتهم ومؤسساتهم الرسمية والخاصة في العقود الماضية، لم تؤسس لاستراتيجية ثقافية تُبنى المجتمعات وفق خططها ومعاييرها وشعاراتها. وبالتالي، لا يمكننا الحديث بالمجمل عن الثقافة العربية وتعبيراتها وتمظهراتها بشأن المخاضات والخضات العربية التي لم ترق لتكون حراكا فعليا، لأنها أُجهضت وهي في رحمها، وسُرقت من قبل دول وتنظيمات تسعى إلى تجذير التطرف، ومصادرة الفكر التنويري. الرواية والإرهاب يعتبر أنور الخطيب أن الحراك الثقافي في جزئية الأدب كان بحال أفضل قليلا من غيره، ولا سيّما الكتابات الروائية، فقد استطاعت الرواية العربية، في رأي ضيفنا، خلال الأربع سنوات الماضية، أن تعبّر عن التمزق الذي أصاب البنية المجتمعية والثقافية والأمنية والفكرية العربية، واقتحمت بجرأة كبيرة أحيانًا، قلاع السجون التي تغيّب نشطاء حرية التعبير عن الرأي، كما تمكنت من مناوشة الفكر السلطوي المؤسسي، وكذلك الفكر الديني التكفيري، وإظهار الفظاعات التي تُرتكب باسم الدين، وباسم الحفاظ على الأمن. وقد كانت لأنور الخطيب مساهمة روائية من خلال روايته التي صدرت قبل عام ونصف العام تقريبًا بعنوان “وردة عيسى”، والتي عمل فيها على تفكيك الممارسات السلطوية والتكفيرية لدى كل من المؤسسة الرسمية والتنظيمات التي تقترب من ممارسة الإرهاب في شتى صوره.
وعن واقعنا الثقافي اليوم وما يطرح من مشاريع ثقافية في هذا البلد العربي أو ذاك، يـرى صاحـب “فتنة كارنيليان” أن المشاريع الثقـافية العربية كثيرة، وكل ساحة ثقافية تطـرح مشـروعا ثقافيا بين فتـرة وأخرى، فبـاب الكلام مفتـوح، والتنظير نشط للغاية، ولكنـه يصطـدم مرة أخرى بالانقسام السيـاسي المنبثق من الانقسام الديني أو المذهبي أحيانا. ولهذا فإنه من الأهمية بمكان التركيز على تجنيب المجتمعات العربية الصراعات المذهبية والدينية، بـل واجتثاثها وامتصاص الاحتقان ذي الصلة، الذي يكاد يؤدي إلى حروب أهلية، وحروب عربيـة عربيـة. إضافة إلى ذلـك، لا بـد من محـاربة التطرف الأعمى. يتابع الخطيب: لكن قبل ذلك، يجب تقديم تعريف للمصطلح الذي يُستخدم بضبابية كبيرة وهو الإرهاب، وذلك حتى لا يتداخل الإرهاب بالدين، كما يحاول البعض الترويج له منذ سنوات. وفي سياق هـذا المشروع يجب تغيير المنـاهج لتعبّـر عن الوضـوح الفكـري وعدم الخلـط بيـن الأفكـار والمعتـقـدات المتصارعة، حتى ينشأ جيل متسامح لا يعـرف التطـرف ويحتـرم الـرأي الآخر. ويضيف: المشروع الأهم الذي يخشاه كثيرون ويسيئون فهمه ويرتعدون عند سماعه هو الفصل بين الدين والدولة، إذ ينعتون كل من يطرحه بالعلماني، والعلماني كافر وفق تفسيراتهم السطحية، وهو غير ذلك بالتأكيد، لكن هذا الطرح يرفض أن يقوم رجل الدين مقام الناقد الثقافي والأدبي على سبيل المثال. ويؤكد الكاتب أن المشروع الثقافي الحقيقي العربي يجب ألا يعترف بالوهم أو يتعاطاه، فمن الصعوبة بمكان تطبيق مبادئ التعايش وتقبّل الآخر في أوساط أجيال نشأت على التمييز وأحيانًا الكراهية، ولهذا، يستغرق تطبيق المشروع أجيالًا، والحل أن نركز على المشروع التعليمي الثقافي، الذي يجب أن يواكبه نشوء دولة القانون في كل بلداننا العربية. http://www.alarab.co.uk/?id=72040# |
|||||
أوس داوود يعقوب |