«شيطنة المسلم» وتجميل الاسرائيلي / اليهودي
غادة السمان
اشتري كتباً بأكثر مما ينبغي لمن تعيش في بيت عادي لا في ملعب لكرة القدم!
بيتي تحول إلى مستعمرة كتب. لم يعد لدي مكان للمشي دون أن أتعثر بها.. ونصف سريري محتل!
ولم يعد بوسعي استقبال أصدقائي والحركة بدون أن أتعثر بها… كانت تتمدد حتى إلى.. الحمام!
الكتب بالعربية؟ يا للهول!
قالت لي جارتي الطبيبة إن المستشفى حيث تعمل ترحب كثيراً بالتبرع بالكتب لمكتبتها، وذكرت لي اسم المسؤول عن ذلك. وذهبت وقابلته وقلت له إن لدي مكتبة أريد التبرع بها لعيون القراء المرضى فرحب بذلك. وبينما كنت أودعه أضفت: سيسرك أن الكتب بثلاث لغات، بالانكليزية والفرنسية والعربية.
وما كدت أن أقول: «بالعربية» حتى شعرب بأن تياراً كهربائياً لسعه، وامتقع، وقال بتهذيب غير متورط: سأتحرى عن المساحات الباقية في المكتبة وأتصل بك. وودعني بفتور من يخشى لغماً!
انتظرت الجواب من «مكتبة المستشفى» الأكثر شهرة في باريس، ومعظم (زبائنه) من العرب. ما من جواب. ولم يدهشني ذلك، فقد صارت اللغة العربية للأسف مرادفة في أذهان الغرب للحض على العنف والقتل والأذى أو ـ على الأقل ـ مدعاة للحذر من فخ في كل كتاب! واتصلت ثانية بالمسؤول عن المكتبة في المستشفى، فقال بصوت لا يتقن فن الكذب أنها صارت متخمة بالكتب كما اكتشف! وهو يشكرني باقتضاب بارد على «حسن نواياي» ولا يريد الكتب.. كما لو كنت سأدس في مكتبته بكراسات لكيفية صنع القنابل في المنازل وقتل الأبرياء بها.
يحق للغرب حماية مواطنيه!
هذه «الخشية» ليست جديدة، بل تبلورت منذ تفجير البرجين للتجارة في نيويورك عام 2001 حين صارت لغتنا مشبوهة (مثلنا). واذكر ان الياس خوري كتب يومئذ عن التحقيق البوليسي الذي تعرض له إثر الانفجار النيويوركي لوشاية موظفة فندقه في جنوب فرنسا حين أرسل من الفندق فاكساً بالعربية، ولم يدهشني ذلك. فقد تعرضت في باريس لأمر مشابه حين حملت معي مخطوط روايتي «سهرة تنكرية للموتى».
وبالمقابل يحق لفرنسا وسواها حماية مواطنيها من دعوات مكتوبة في كراسات وعلى الانترنت لمراهقيهم للذهاب والقتال مع داعش ومنع تفجيرات ممكنة. وما زالت فرنسا تعاملنا بأفضل مما نعامل به بعضنا بعضاً في بعض الأقطار العربية، ولن نرى القشة في عين فرنسا وننسى الخشبة في عيوننا!
صورتنا في الغرب مخزية وظالمة
لم يدهشني اليوم بعد كل ما حدث منذ 11/2001 حتى 11/2015 ان تصير لغتنا العربية موضع ريبة.. على الرغم من انها لغة المحبة والرحمة والمساواة بين العربي والأعجمي والابيض والزنجي منذ قرون ولغة «ولا تعتدوا فإن الله لا يحب المعتدين»… ولكنها صارت في عيون البعض لغة القتل والمؤمرات والأذى.
فقد تمت «شيطنة صورة المسلم بنجاح يذكر للأسف.. وجاء العديد من الأحداث ـ في الاعوام الأخيرة ـ مؤكداً سوء ظنهم. ولم يدهشني في ايلول/سبتمبر 2015 منع مسافرَيْن كانا يتحدثان بالعربية من الصعود إلى الطائرة في الولايات المتحدة الأمريكية.. كما لو كانا خاطفين محتملين للطائرة..
وبعدما كانت «شيطنة المسلم وتجميل اليهودي» تتم في هوليوود بأموال صهيونية، لم يعد ثمة حاجة لذلك في زمننا. فقد صرنا نقدم للإعلام باستمرار وجبة دسمة من الأخطاء تصلح لتسميمنا إعلامياً! وكنموذج متكرر شاهدت ليلة 23/12/2015 فيلماً ـ على شاشة التلفزيون الفرنسي ـ المجرم فيه مسلم تفرض عليه عقيدته (كما يفترض الفيلم) إيذاء الغرب غير المسلم، ويستحوذ على قنبلة ذرية يهدد بتفجيرها في مدينة امريكية اذا لم يُطلق سراح اعوانه (الارهابيين).
ولكن البطل الأمريكي الممثل (شاك نوريس) ينجح في اختطافه واعتقاله ومقايضته بالقنبلة من دون تحقيق مطالبه. ويتم عبر ذلك إقناع المتفرج بأن المسلم (الصالح) يفرض دينه عليه قتل من ليس مسلماً واغتصاب نسائه، وهو بالتالي ارهابي مجرم (في اليوم ذاته نرى حلقة من مسلسل عن «المربية» اليهودية التي تعمل في بيت المستر الثري شيفرز النيويوركي، ويعشقها اولاده، وعبرها نرى صورة «اليهودي الطيب» المحبب شديد الالتصاق بأسرته وتراثه (المسالم البريء) وهو امتداد لحلقات تجميل اليهودي لمسرحية «عازف الكمان فوق السطح» الشهيرة ـ التي صارت فيلما ـ وشاهدتها في لندن في «ليستر سكوير» بغضب حين كنت طالبة هناك. فهي ترسم اليهودي بصورة عائلية جميلة، محببة، وهو ما لم نحظ به يوماً من هوليود حيث الأخ العربي في الأفلام يقتل اخته في ـ جريمة شرف ـ لأنها تريد الزواج ممن تحب، مؤكدين عجز المسلم عن التكيف مع مجتمع غربي لكنه يتسول بطاقة إقامة فيه وجنسية ولا يندمج فيه ولا يحترم قوانينه بل يسعى لتبديله أو تدميره.
أما أعمالنا الفنية فقد فشلت في نقل صورة محببة إنسانيا للمسلم. وصورتنا اليــــوم في الغــــرب محزنة وهي محصلة القصور الإعلامي الذي دام عقوداً ومحصلة أفعال جهنمية لا صلة لها بروح ديننا الاسلامي الحنيف من قتل لأبرياء واطلاق نار على مطاعم واماكن احتفالات موسيقية وسواها.. وكل تجميل لليهودي يصب في مصلحة اسرائيل (الوطن القومي لليهود عما أعلن نتنياهو)… وكل فعل اعتداء عربي هو عمل عدائي للقضية الفلسطينية وللمسلم.
«اقرأ» وليس «اقتل»
وها هو المصري عمر حمزاوي يكتب في «القدس العربي» 8/12/15 انه كان يطالع في رحلة العمل اليومية الأوروبية رواية بالعربية ولكن سيدة كانت تجلس امامه «هبت أمامه وقذفته بطوفان عن العرب الارهابيين والمسلمين القتلة الذين لا يؤمن جانبهم» مضيفة انها تجدهم لاجئين هنا وهناك ينقلون العنف إلى المجتمعات التي استقبلتهم.. وخافت منه ومن كتابه بالعربية وحقيبته وستغادر العربة فوراً كما ذكر.
وليس بوسعنا التنصل من مسؤوليتنا عما وصلت اليه سمعتنا في العالم، و»لغتنا هويتنا» كما قال الاديب المناضل الراحل، ابن القدس، ميشيل سنداحة.
ومن هذا المنطلق أرحب بكل محاولة لإعلاء شأن اللغة العربية، كتلك التي أعلمتنا بها زهرة مرعي عن «بيت اللغة»، الموقع الذي اسسته الشابة ضحى الأسعد لنجدة العربية التي يهملها أهلها.. فلغتنا هي لغة المحبة والسلام والعراقة وليست مدعاة للخوف من سماع نبرتها في الطائرات.. انها لغة كتاب بدأ بعبارة «اقرأ» وليس «اقتل»!
غادة السمان
http://www.alquds.co.uk/?p=470087