حزن في ضوء القمر
شعر: محمد الماغوط
أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها |
|
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر |
|
خذني إليها |
|
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر |
|
فأنا متشرّد وجريح |
|
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده |
|
من أعماق النوم أستيقظ |
|
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم |
|
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر |
|
قل لحبيبتي ليلى |
|
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين |
|
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها |
|
انني ألمح آثار أقدام على قلبي . |
|
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه |
|
وأنا راقدٌ في غرفتي |
|
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره |
|
من قلب السماء العاليه |
|
أسمع وجيب لحمك العاري . |
|
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده |
|
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا |
|
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح |
|
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ |
|
ورياحُ البراري الموحشه |
|
تنقلُ نواحنا |
|
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس |
|
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ |
|
نبكي ونرتجف |
|
وخلف أقدامنا المعقوفه |
|
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه … |
|
وافترقنا |
|
وفي عينيكِ الباردتين |
|
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله |
|
أيتها العشيقةُ المتغضّنة |
|
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر |
|
أنتِ لي |
|
هذا الحنينُ لك يا حقوده ! |
|
. . |
|
قبل الرحيل بلحظات |
|
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده |
|
عن الليل والخريف والأمم المقهوره |
|
وتحت شمس الظهيرة الصفراء |
|
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ |
|
وأترك الدمعه |
|
تبرق كالصباح كامرأة عاريه |
|
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه |
|
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده |
|
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره |
|
تندفع في نهر من الشوك |
|
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه |
|
تحدقُ بي |
|
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ . |
|
. . |
|
يا نظراتِ الحزن الطويله |
|
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي |
|
إنني أراكِ هنا |
|
على البيارقِ المنكَّسه |
|
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه |
|
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام |
|
تحت سمائك الصافيه |
|
أمضي باكياً يا وطني |
|
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف |
|
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين |
|
كامرأتين دافئتين |
|
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني |
|
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول |
|
تحت أظافري العطريه |
|
يقبعُ مجدك الطاعن في السن |
|
في عيون الأطفال |
|
تسري دقاتُ قلبك الخائر |
|
لن تلتقي عيوننا بعد الآن |
|
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه |
|
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده |
|
كالسحابةِ التي لا وطن لها . |
|
. . |
|
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل |
|
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه |
|
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب |
|
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه .. |
|
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ، |
|
أودُّ أن أموتَ ملطخاً |
|
وعيناي مليئتان بالدموع |
|
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر |
|
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه |
|
في طفولتي ، |
|
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب |
|
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه |
|
أما الآن |
|
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح |
|
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع |
|
اشتهي جريمةً واسعه |
|
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ، |
|
إلى بلادٍِ بعيده ، |
|
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ، |
|
وفتاةٌ خلاسيه ، |
|
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان . |