لماذا لا يقرأ العرب؟
لماذا لا يقرأ العرب؟، سؤال يطرح نفسه بقوة خاصة مع تراجع معدلات القراءة في العالم العربي مقارنة بمناطق عدة في العالم، تلك المقولة التي أصبحت واضحة للجميع في تقارير التنمية الإنسانية أو تقارير عالمية أخرى، تتضاعف خطورتها عندما يضاف إليها كذلك تراجع الإقبال على الكتاب الورقي مقابل الهوس بالتواصل الإلكتروني والمعرفة عبر الشبكة العنكبوتية، وتراجع معدلات زيارة المكتبات العامة والخاصة، وهذا بالتالي يؤثر على مستقبل الثقافة العربية، وقدرتنا على الإنتاج العلمي والمعرفي وموقعنا بين أمم العالم.
يرى الشاعر أحمد سويلم أن القراءة لم تتراجع كثيراً، فهناك أجيال ما زالت مصرة على القراءة الورقية رغم اعتماد الكثيرين على ما يسمى «الكتاب الإلكتروني» والنشر على الفضاء الإلكتروني، وهذا أدى إلى تضاؤل مساحة القراءة التقليدية، مع العلم أن المعرفة الحقيقية لا تؤخذ إلا من خلال مصادرها الأصلية، وأهم هذه المصادر الكتاب المطبوع.
ويضيف سويلم: ومما يدل على زيادة الوعي بالقراءة وجود سلاسل إبداعية كثيرة خاصة في الهيئات الثقافية الرسمية مثل هيئة الكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، وكذلك وجود زيادة في عملية النشر في الدور الصحفية مثل دار الهلال ودار المعرفة وغيرهما، وهذا لم يأت من فراغ بل جاء عبر دراسة موسعة قائمة على استبيانات لعدد القراء ووضع تصور لاحتياجاتهم المعرفية، فاستحدثت سلاسل جديدة، مثل الخيال العلمي، وزادت مساحة النشر الإبداعي للأجيال المختلفة، وللتيارات الإبداعية المتنوعة، وتقوم قصور الثقافة من خلال مكتباتها المنتشرة في الأقاليم المختلفة بعرض معظم هذه المطبوعات.
وهناك الآن حالة من التنسيق بين المؤسسات الثقافية المختلفة لعرض وبيع الكتب المطبوعة من خلال فلسفة تسويقية قائمة على قراءة احتياجات السوق من الخدمة المعرفية، وهذا يمثل حالة من الرواج الثقافي والازدهار المعرفي.
ويشير الناقد والشاعر أمجد ريان إلى أن القراءة تشهد حالة من التراجع لعدة أسباب، أولها: سيادة ثقافة الاستهلاك، وهي ليست وليدة اليوم بل ترجع جذورها إلى سبعينيات القرن الماضي حيث تم تسطيح وتهميش الفكر لصالح الثقافة الاستهلاكية وتم التراجع بصورة كبيرة، فقد ارتبط بذلك سبب آخر وهو انهيار التعليم وتخلف مناهجه، واختفاء الجانب الإبداعي والفني في المدارس، فقديماً كانت توجد في كل مدرسة مكتبة بها جميع الإصدارات، ومن كافة أنواع المعرفة، هذه المكتبة اختفت تماماً الآن من مدارسنا.
وكانت هناك في الخطة المدرسية وفي الجدول الدراسي اليومي حصة تسمى «حصة المكتبة» أسبوعياً تم إلغاء تلك الحصة، كذلك كانت هناك حصة للرسم والموسيقى، اختفت تماماً من الجدول، فماذا تنتظر من طفل لم يدرس الفن، بل إن البعض كان يعتبر مثل هذه الحصص حراماً، مع أن الإبداع يساعد على الارتقاء بالذوق والأخلاق وينمي القدرة الابتكارية لدى الأطفال.
وفي فترة كان هناك «البرلمان المدرسي» وهو تنظيم طلابي يكون داخل المدرسة تحت إشراف تربوي، وذلك لتحقيق أهداف تربوية، ويضم الطلاب المميزين ليتناقشوا في الأمور الاجتماعية المحيطة بهم، وذلك لتعميق فكرة الديمقراطية في نفوسهم، وتطبيق مبدأ القيادة وتدريبهم للتعبير عن آرائهم بصورة منظمة وتبصيرهم بقضايا المجتمع والتحديات التي تواجهه.
وكذلك كانت هناك البرامج التلفزيونية التي تحث على القراءة، فقد اهتم التلفزيون المصري على سبيل المثال، منذ نشأته ببرامج الأطفال وكان الهدف منها تنمية المعرفة لدى الجيل الجديد، مع حثه على تحصيل المعرفة من مصادرها الأساسية، وكان الأطفال يحرصون على متابعة المجلات المتخصصة في أدب الطفل مثل «سمير» و«ميكي» و«قطر الندى».
ويؤكد القاص سعيد الكفراوي أن القراءة هي فعلاً حياة ومن دونها لا وجود ولا حياة، الحرب العالمية ثقافية في الأساس، ولذلك علينا أن نراجع المواقف المتخاذلة مع الجانب المعرفي لدينا.
ويضيف الكفراوي قائلاً: في جيلنا كان الكتاب هو الزاد والزواد، كنا ندخر من مصروفنا القليل لنشتري الكتب، وكنا نذهب إلى مكتبة بيت الثقافة لنقرأ ونستعير الكتب، وكنا نجلس في حلقات لنناقش ما قرأناه طوال الأسبوع.
أتذكر هنا جيل مدينة المحلة الكبرى الذي ضم د. جابر عصفور ود. نصر حامد أبو زيد ومحمد فريد أبو سعدة وجار النبي الحلو ومحمد المنسي قنديل، جيل تربى على حب المعرفة، والقراءة في جميع مناحي الفكر والإبداع. سنوات التكوين قادتنا إلى مرحلة النضوج المبكر بفضل اختياراتنا في القراءة.
تعلمنا من خلال الكتاب الورقي كيف نتناقش وكيف نتحاور، وكيف نبدع، وأصبحت القراءة هي العنصر الأساسي في حياتنا بعد ذلك. ويرى الكفراوي أن تراجع القراءة عند العرب في الوقت الراهن يرجع إلى اعتماد الجيل الجديد على الشبكة العنكبوتية في تحصيل المعلومات. ويشير إلى أن ذلك قد يكون مفيداً في الجانب العلمي، أما كتابة الأدب، فما زال للكتاب المطبوع سحره الخاص، وهناك حالة من الأمل في عودة القراء إليه مرة أخرى بعد زيادة دور النشر وكثرة الجوائز الخاصة بالإبداع.
ويضيف الكفراوي: الجيل الجديد يريد المعرفة السريعة والمعلومة التي تأتيه وهو جالس في مكانه، في حين أن الأجيال السابقة كانت تسافر من بلد إلى بلد للحصول على كتاب سمعت عنه، فقد كنا نجيء من بلدنا إلى القاهرة لنشتري من سور الأزبكية ما نحتاج إليه من كتب وروايات وصحف قديمة، الآن تراجع دور سور الأزبكية ولم يعد منه سوى أطلال.
ويرى القاص محمود قتاية أن هناك حالة من التبادل المعرفي بين المثقفين حيث استعارة الكتب، وكان هناك البعض ممن يشتهر بذلك. فمن لم يكن قادراً على شراء الكتب كان يستعيرها من الأصدقاء، وكان ذلك منتشراً بين أبناء الجيل الواحد.
ويضيف قتاية قائلاً: اختفت الآن ملامح التواصل المعرفي، وأصبح التواصل الإلكتروني بديلاً، وهنا تراجعت القيم الإنسانية، وتحول الإبداع إلى شكل «آلي» وأعتقد أن القراءة تعطي للحياة معنى، أما القراءة الافتراضية فتجعل من قارئها شخصاً لا يلامس الواقع كثيراً.
ويرى قتاية أن استعادة القارئ الجيد تتطلب عدة أمور، أولها: تفعيل دور المكتبة المدرسية وعودة المكتبة إلى مراكز الشباب، كذلك عودة المكتبة المتجولة التي كانت موجودة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. مع زيادة البرامج الثقافية التي تقوم بعرض الكتب، وقد كان ذلك موجوداً قديماً، وعلى الفضائيات أن تقوم بعمل برامج خاصة بعروض الكتب الجديدة في السياسة والأدب والفكر، لأن ذلك ينمي ذائقة القراءة عند الأجيال المختلفة، ويشجع المبدعين، وهذا ما نحتاجه الآن لأننا في وقت أحوج ما نكون فيه إلى استعادة البعد التنويري في عالمنا العربي، لأن المعرفة هي أول الطريق إلى المستقبل وإلى التقدم والرخاء.
وتقول د. منى طلبة، أستاذة النقد في جامعة عين شمس، إنها تسعى دائما إلى تنمية قدرات الطلاب المعرفية، فأطلب منهم عند كتابة الأبحاث العودة إلى المراجع الأصلية في مكتبة الجامعة، بل أطلب منهم الذهاب لحضور الندوات الأدبية، وقد قررت بعض هذه الندوات على الطلاب حين كنت منتدبة للتدريس في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
وتضيف د. منى: أعتقد أن الطالب المصري والعربي عنده القدرة على القراءة بشكل متأنٍ ما يجعله يستفيد معرفياً ومستقبلياً، فالقراءة تعود الطالب على عملية البحث وهذا ما نريده الآن، نريد قاعدة علمية يبنى عليها ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقراءة الجادة.
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/c2d50338-1ad9-4e55-95dd-7f0c341f12d8#sthash.SifzCQEG.dpuf