لو كنت في وطني
أنور الخطيب
(1)
لاستيقظت باكرا كل صباح
حضّرت قهوة من بذور ليلنا
وطرقت أبواب أبناء حارتي
واحتسينا عودتنا…
(2)
لزرعت أرض جاري
من بذوري
وطلبت أن يزرع أرضي
من بذوره
ولا نتبادل الفاكهة
(3)
لكانت رياضتي (دبكة)
في الصباح
ورقصة في المساء
مع الرياح
(4)
لأديت كل صباح
تحية عسكرية
للصغار الذاهبين
إلى النور
(5)
لربيت أصدقائي
كما أربي ولدي الوحيد؛
في ردائي..
(6)
لعملت جليس أطفال
وحارس حقل
في بيوت الذين أنجبوا
أول طفل
ليواصلوا شهر العسل..
(7)
لما تناولت طعامي وحدي
حتى أموت
وحين أموت
أموت في كل البيوت
(8)
لدفنت أمواتي في ترابهم
بلا بكاء
وأهديتهم وردة كل مساء
من السماء..
(9)
لخشعت طويلا
في صلاتي
حتى تلامس كفُّ الإله
خطيئتي
(10)
لنثرت قصيدتي
في نسيم الحنين
لتقرأني قبرات بلادي
وتصاب الصبايا
بزكام الشعر
وحمّى الياسمين
(11)
لما اختبأت من الشتاء
وارتديت ثوب ماء
بعد ثوب ماء
(12)
لما ذهبت إلى العمل
وصرفت عمري
“أربي الأمل”
في خوابي القبل
(13)
لما تجاوزت حدودي البرية
والبحرية والجوية
وانشغلت في تطريز قامتي
في ثوب..
من تصميم سيدتي الـ “حرية”
(14)
لما ضجرت لحظة
وما لعنت الحياة
وما بكيت،
وعملت خادما عند سيدي؛
“قنديل زيت”
(15)
لما أصبت بكابوس
فكل ما رأيته في نهاري
سأراه في ليلي؛
ابتسامة العروس..
(16)
لما كتبت مقالة
على الورق
وما بحثت عن صورتي
في الصحف
لا أحب التحف..
(17)
لمشطت موج البحر
وقت المد
ووقت الجزر..
(18)
لأمرت ألا تُصنعُ الخيام
حتى أنام..
(19)
لما اقتنيت حقيبة
فأينما رحلت سأرتدي
شجر الحبيبة..
(20)
لأعدت الخيول إلى برّيتها
والمواشي إلى سهولها
والحساسين إلى أصواتها
وصادقت الوعول..
(21)
لأعطيت إجازة مفتوحة
لحراس الأفكار
(22)
لأقفلت بوابات الليل
وأعلنت النشور،
وأطلقت اليتامى
ليربكوا القصور
(23)
لأقمت الحد
على كل قاتل ورد
(24)
لما وضعت صليبا
وما رفعت هلالا
وما ارتديت قلنسوة
وما أشعلت نارا
وما صنعت تمثالا
وما علقت صورة
وما هتفت لرمز أو لفرد…
وطني.. “لم يكن له كفوا أحد”
…..
(25)
لما سميت أبنائي
فحيثما يحلّون
ترسم الأماكن فوق وجوههم
ملامحها؛
ويسمّون بأسمائها..
(26)
لعلّمت النساء فن الحرب
والقيادة..
والرجال بهجة الحمل
والولادة..
(27)
لمشيت طوال عمري حافيا
قبّلت شوك الحديقة
كل صباح
فحين يسيل دمي
سيروي نرجسة وقرنفلة
ويرويني
(28)
لمنعت هجرة الطيور
خارج قلبي
(29)
لانتزعت الأبيض
من علمي
وأجنحة الحمام
ومن ثوب العروس
والأكفان..
…..
(30)
لعانقت المسافات
سيرا على الأقدام
واسترحت عند المزارعين
الطاعنين في الخضرة
ومانحي التراب بذرة الغرام
(31)
لجمعت الحمام الأبيض
صنعت من وجع الهديل
ألف جوقة من الصهيل
(32)
لقاطعت منتجات النظام:
قط سمين فاسد
وكلب سكران
(33)
لما نزفت شعرا
وما نسجت نثرا
وما رسمت لوحة
وما عزفت موسيقى
وما وقفت على مسرح
ولا خلف ميكروفون
ففي وطني..
يقول لي الصباح كن..فأكون:
قصيدة على جناح فراشة
رواية في عينيّ فلاح
موسيقى في خصلات شعر عاشقة
لوحة على وجه غيمة حبلى
مطر.. يهطل منّي .. وعليّ
لا فرق في وطني..
أن أكون عاقلا أو مجنونا
شجرة أو قبّرة
ففي وطني..
يقول لي المساء كن جدولاً
ويعني.. أن أكون نهرا
وبحيرة ..
وأن أكون لغما
يعتريه الصهيل
إذ تمر مجنزرة
(32)