كشوف
أنور الخطيب
وقد اكتشفت..
ضمن اكتشافات المغرّب
للتضاريس القديمة
وارتحالاتِ المعذّب في الكشوفِ
بأنني يقظُ..
وقد احتسيتُ نبيذَ قافلةِ
كانت تطوف على ملوك الطوائفِ
وانتبهوا،
تداركوا أمر الطواف فقهقهوا،
ظنّا بأني قد أقيم إمارة للغانياتِ،
فسامحوني،
عاقبت كأسيَ إذ كسرتُ رنينه
حتى اكتشفت بأنني لفظُ..
تناقله الملوك في صولاتهم..
وانهزموا
وحين تجشؤوا كي يطفئوا نار الهزيمة
ضحّوا بي..
ثم قالوا: “قد هرمتَ..
وما عليك سوى الرحيل”،
استيقظ الصعلوك بي
واكتشفتُ بأن لي عشرين ابنا عاقاً
من عشرين امرأة عاقر
واكتشفت:
أمي لم تلد غيري وأني
لم أبنِ بيتا كي أواري سوأتي
في ليالي الضجر،
ولم أدّخر قصيدةً بيضاء
لأيامي السود
ولم أدّخر
صفحةً فارغةً في وثيقةِ السّفر؛
فكلها امتلأت بالحفر،
وعليّ من باب إذعان المغرّب للغريب
أغادر المنفى إلى منفى
كمنفيٍّ عريق،
كشفٌ أتاني على صهوةٍ لناقةٍ ضريرةٍ
كانت تغذّ السّير في ظلمة العمر
على رِسْلها،
لا من حيّز مشعٍّ تقيم فيه
أو أقيم فيه معبدي للعابدين..
إلى أين أحملني
في الهزيع الأخير من البلاد
وعصر المعجزات انتهى..
ليس لي عصا أشق بها البحرَ
كي ألوذَ بالعاصين،
لم يداهمني قَبس،
لا نونَ بعد النور في النونين،
لم أُصطفى كي أكلّم السماء
لم يتركوا للطير أجنحةً أقطّعها وأجمعها
لأكون مع الجامعين،
ثم أن هارون ليس أخي، وإن ادّعى
لا نيّةَ لي، في الأصل،
الذهابَ إلى فرعون
فالجهاتُ مفعمةٌ بـ”الفراعين”،
ولا موالين لي كي أحاربَ الرومَ
في “تلّ الربيعِ”
أو استعيدَ “غرناطةَ” من أصحابِها
وليس لي مبايعين كي أستعيد الخلافة
من أرض الهنود الحمر
كل أتباعي مولّون يصافحون مولّين،
كلُّ ما لديّ:
سماءٌ مثقلةٌ بغيمٍ تَشَكّل من تَبَخُّرِ الدم،
أرضٌ مصابة بالهذيان من خمرة الفتاوى
آدميون لي وليسوا لي، وليسو بآدميين،
يرتدون جلاليبَ منسوجةً من خيوط العبوس
وإنني،
أخشى لو قدحتُ غيمتي
أن تمطرَ السماءُ عليّ قتلاي
مع القاتلين،
وأن تقهقهَ البلادُ بالسكارى اليقظينَ
فألجأ،
مثلما يلجأ الناجون من أنفسهم
إلى جزيرةٍ شقراءَ قربَ روما
وأغرقُ قبل إنقاذ المنقِذين
إلى أين أحملني إذن؛
والخيول تبكي النواصي
تنتظر القيامةَ والقائمين؛
سروجها مقطعةٌ
فوارسُها من خمول إلى ذبول إلى عنين
إلى أين أحملني إذن..؟
إلى أين إلى أين إلى أين؟!
وكنت سيدا للحاملين..
…