لست سمكة يا إلهي كي أنفق على الساحل .. بقلم أنور الخطيب

لست سمكة يا إلهي كي أنفق على الساحل .. بقلم أنور الخطيب

 

 

IMG-20150903-WA0014

لست سمكة يا إلهي كي أنفق على الساحل

وجدتني مُلقى على ساحلك، مادةً غنيةً للمصورين الشرهين، كل ما أذكره أنني كنت في حضن أمي قبل الصعود إلى السفينة، ثم صرت في حضن البحر بعد جنون السفينة، ثم في حضن شاب حملني لتُستكمل رحلة الصعود إليك.. هل كنت في حاجةٍ لأمر في هذه الأحضان حتى أصل إليك؟

لا أشك في أنك قد دبّرت كل هذه الرحلة لأصبح مشهداً يتناقله الناس من صفحة إلى أخرى. أنت من أوعزت لأبي كي يحملني وأمي وأخي وأختي على ظهر قارب لا يتسع لشقاوتي وحدي، وأنت من أوعزت للسفينة كي تنقلب، وللبحر كي يرسلني إلى ساحلك، لتبدأ رحلتي جثةً هامدة إليك.

أعلم أنك قد رفعتَ جوهري وتركتَ مادتي تطفو على الماء، لا أذكر أنني تعذبت كثيرا، فأنا لم أتمكن من البكاء أو الصراخ ملء طفولتي. لقد ملأت جوفي بالماء المالح، فاختنقتُ سريعا، واستكنت.

صورتي وأنا ملقى على وجهي ملأت شاشات التلفاز والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، صرت مشهورا وأنا ميت، جثةٌ نجمةٌ، لم يذكر أحد اسمي ولا اسم أبي ولا اسم أمي التي ستعرّفني بها في الآخرة، كل ما يهم الناس هو هذه الجثة الصغيرة التي لن تشغل مساحة واسعة في مقبرة غريبة.

يومان وستحتل الساحة جثةٌ أخرى قد تشبهني، وسيلفظ البحر طفلا وسيما أو طفلة جميلة إلى ساحل آخر، أعلم أن هناك في هذه اللحظة من يحرق بيتاً جديداً، ومن يتاجر بصديقي. أنا على يقين من أن صعودي للسفينة لم يكن بلا ثمن، نصف تذكرة كفيلة لتنقلني إلى مطار الموت السريع.

يا حرام!

كل من شاهدني كرّر هذه الجملة التافهة الخالية من الاحترام، كرّرها واستمر في حياته، وربما واصل تناول طعامه، أو معاشرة زوجته أو مشواره مع حبيبته. يومان وسيكرر الناس الجملة لجثة أخرى قد تشبهني. يومان، وقد ينتقل هذا الذي يكتب من وحي صورتي الآن، للكتابة عن طفل آخر، ولا أعلم ما هي نواياه، هل ليدق جرس الإنذار؟ أم ليفرغ شحنة حزن؟ أم ليصعد على موتي؟ أم ليقول للناس/ أنتم الشياطين التي تتحرك فوق الكرة الأرضية، غادرتهم الجحيم وجئتم ترسمون مشهداً مماثلا.. لا أدري.. لكنه يكتب، وبينه بين نفسه يتساءل إن كنت أنت من دبّر كل هذا، أم أن أمي تتحمل مسؤولية موتي وموتها بهذه الطريقة المذلة؟ لست سمكةً يا إلهي كي أنفق على الساحل، لو خلقتني سمكة لاستطعت السباحة ونجوت من الموت، لماذا لم تخلقني سمكة؟ على الأقل أولد مع عشرات الأسماك ولا أعرف أمي، والمصورون لا يلتقطون صوراً للسمك الميت، إنهم ينفرون منه.

حياتي كانت قصيرة جداً، لا أمتلك خطايا، ستنقلني إلى الجنة فوراً، وأتمنى ألا أرى من حرق بيتي هناك، وأتمنى ألا أرى من فصل رأس عمي عن جسده هناك. جميعهم يقولون إنهم ذاهبون إلى الجنة. فهل جنّتك أُعدّت لهؤلاء؟ إن كانت كذلك أعد دورة الخلق من جديد، واخلقني سمكة تنفق على الساحل بشرف وستر،

فالأرض ضيقة عليّ .. ضيقةٌ جداً ..

سامحني، وأنا لا أملك إلا أن أسامح أمي..

بقلم:

أنور الخطيب

3 تعليقات

أضف تعليقا ←

  1. صائب الغادري قال:

    قفاك أيها الصغير أطهر من أطهرنا …
    نم قرير العين فلا حاجة لك لحياة تعيش فيها الطهارة مع النجاسة …!!!

    1. admin قال:

      وهو كذلك أيها الفنان الأديب صائب.. يرحمه الله

      1. admin قال:

        مع شكري الجزيل لحضورك هنا
        أنور الخطيب

اترك تعليقاً