في يوم الأرض
ما أحلى العيش بكرامة
بقلم: أسد زين غندور
في الثلاثين من اذار من كل عام ، يحتفل الشعب الفلسطيني المقاوم ، وتحتفل الشعوب العربية الأكثر وعيا” وارتباطا” والتزاما” بقضايا الأمة …يحتفل الجميع بيوم الارض ، للتأكيد على الثوابت التي لا رجوع عنها : بأن فلسطين عربية وارض فلسطين للشعب الفلسطيني ،وان شعلة الثورة العربية ستبقى مضيئة ووهاجة مهما اعتراها من تشوهات وواجهها من تحديات ، حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني والعربي من رجس الاستيطان الصهيوني وكل أشكال الغزو والاحتلال والهيمنة الأجنبية، وتحرير الانسان العربي من القيود التي تكبل حركته الثورية وتحول دون اقامته لدولته العربية الواحدة والموحدة….الدولة العربية الديمقراطية الحديثة والقوية، الدولة القادرةعلى حماية شعبها وصيانة ارضها وتحديث مؤسساتها واستغلال مواردها الطبيعية ، واطلاق برامج التنمية الحقيقية في شتى وجوهها ، وقهر سائر الأمراض الاجتماعية المتفشية في ثناياها كالفقر والجوع والجهل والبذخ والامية والتبعية وغياب القيم الوطنية والقومية ، ووضع حد لسائر النزعات القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية الخبيثة والمميته في أن واحد.
واليوم ، تاتي الذكرى، بعد مرور سبعة واربعين عاما على اطلاقها، ومرور خمسة وسبعون عاما” على الاحتلال الصهيوني واغتصابه لأرض فلسطين وتهجير شعبها واستباحة ممتلكاته وتدمير بيوته….
تأتي الذكرى في ظل جملة من الظروف والمناخات والمتغيرات السياسية ، التي وان كانت بجانب منها تعيق امكانات التقدم وتلجمه في اكثر من مكان، وتضيف عل جملة التحديات الداخلية والخارجية التقليدية تحديات جديدة ومعقدة، الا انها من جانب اخر تبشر بتحقيق المزيد من المكاسب والانتصارات على قوى العداوة والتحكم العالمية وخلق مناخات دولية جديدة تعيد النظر بموازين القوى وتضع حدا للأحادية المتحكمة في شعوب العالم ودولهم وثرواتهم.
لم يكتف العدو الصهيوني الغاصب بكل ما اقترفت ايديه الملوثة بالدماء من خلال تنفيذه سياسات التدمير والتهجير والقتل والابادات الجماعية والاعتقالات التعسفية بحق شعبنا الأمن واطفالنا الابرياء ونسائنا وشيوخنا ،فها هو لا يزال يمعن في ارتكاب المزيد من الجرائم ويعد بهدم المزيد من البيوت وتهجير الالاف من العائلات وبناء عشرات الاف المستوطنات وانتهاك حرمات دور العبادة وتهديد المسجد الاقصى والسعي لهدمه تحقيقا لحلمه واوهامه باقامة دولته اليهودية العنصرية على ارض فلسطين ،وطمس كل حق عربي بهذه الارض المقدسة ….كل ذلك بدعم واضح ومكشوف من اعتى الدول الأمبرياليةفي العالم : الولايات المتحدة الاميركية، وبسكوت ورضى الانظمة العربية بكل ملوكها وسلاطينها وامرائها ورؤسائها وحكوماتهم المخصية والمشبوهة ،هؤلاء الحكام المتربعين على عروشهم والقابعين على كراسي الحكم والنهابين لثروات بلاد العرب الواسعة والغنية،والممعنين فسادا” وافسادا” ، والطيعين لاسيادهم في الخارج……هذه الأنظمة الوقحة ،التي لا تكتفي بسياسات السكوت والخنوع والتطبيع والاستسلام لرغبات العدو ومشيئته… بل يتمادون في غيهم وطغيانهم ووقاحاتهم ويمارسون شتى انواع القهر والاذلال على شعوبهم ، ويحيكون المؤامرات الخبيثة لتغيير وجهة الصراع في المنطقة وتحويل العدو التاريخي لأمتنا الى صديق وحليف والصديق والحليف الى عدو وهمي، ويعملون جاهدين لأطفاء جذوة المقاومة تمهيدا لانهائها واخفات صوتها وحركتها وتمرير سياساتهم المشبوهة المعادية لمصالح شعوبنا ومستقبل هذه الشعوب…..كما تتمادى بتنفيذ سياسات الحصار والتجويع التي تفرضها عدوة الشعوب ،الولايات المتحدة الاميركية،على شعبنا البطل في قطاع غزة وسوريا ولبنان، تمهيدا” لقهر هذا الشعب المكافح ودفعه لرفع راية الاستسلام امام جبروت العدو والاته الهمجية والمدمرة.
كما ان مجتمعاتنا العربية، لا زالت ترزخ تحت وطأة التأخر والتخلف بابشع صورها، وتعيش حالة انقسام عامودي تنخر بنيتها وتهدد أمنها وتعرضها للفتن والحروب الاهلية …..كل ذلك في ظل غياب حركة تحرر عربية وازنة وفاعلة وقادرة على تجاوز هذا الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المأساوي والمزري. مما ساهم بابقاء الشعوب العربية، بل الرعايا العرب، غارقة في وحول التبعية للحكام واسيادهم ولأمراء العشائر والطوائف والمذاهب ،يصفقون لهم ويتعصبون لهواجسهم واوهامهم ، ويتغيرون معهم كلما تغيرت المناخات السياسية العامة التي تفرض تغيرات في بعض الوجوه او اعادة تلوينها وزركشتها بما ينسجم مع اللحظات والمحطات السياسية الدوليةبين فترة وأخرى.
أما الشعب الفلسطيني البطل، الشعب العنيد والمقاوم والمجاهد الذي قدم التضحيات الجسام ،ولا يزال ، للحفاظ على كرامته وحقه في الوجود على ارضه، والذي حمل ولا يزال مسيرة الثورة والكفاح المسلح وواجه العدو الهمجي بلحمه العاري وبالحجارة وببعض السلاح الخفيف والفردي في احسن الاحوال ، والذي اثبت، في كل مرة تعرض فيها للغزو والقتل والدمار والحصار والتشريد استعداده لمواصلة ثورته وعدم استسلامه لارادة العدو واحلامه السياسية وارادة حلفاء العدو من حكام وانظمة واحزاب سياسية مشبوهة ..هذا الشعب العظيم يتعرض اليوم الى مزيد من المؤامرات والفتن الداخلية والمخطط لها اقليميا” ودوليا” بهدف زعزعة وحدته وايجاد شرخ في صفوف مقاومته الباسلة والعنيدة وصولا” الى انحسار هذه المقاومة والقضاء عليها.
اذا كانت الصورة شبه سوداوية الى هذا الحد، الا ان امتنا لا زالت تختزن بيارق امل قادرة على اختراق هذا الواقع المظلم واعادة الثقة بامكانية احداث متغيرات في المناخ السياسي العام السائد. ويتجلى ذلك في عدة مظاهر مشرق.
-
تتجلى هذه البيارق من خلال الانتصارات العظيمة التي تحققها المقاومة الفلسطينية بين حين واخر على ارض فلسطين المحتلة ، ومن خلال الصمود الرائع لشعبنا في غزة وشوارع القدس والضفة وكل المخيمات ، بالرغم من انف العدو وقوته وبطشه والدعم الهائل الذي يلقاه، وبالرغم من مؤامرات واستسلام تطبيع حفنة من الخونة والعملاء الذين باتت اسماؤهم واعمالهم ومواقعهم وممارساتهم معروفة ومدان.
-
كما تتجلى الصورة الحية والمشرقة ،عبر المقاومة اللبنانية الباسلة التي سطرت انصع الانتصارات في تاريخ العرب الحديث على هذا العدو المتغطرس وعملائه،ودمرت احدث الات حربه وغيرت صورته من جيش لا يقهىر الى جيش خائف لا يتجرأ الاقدام على اي ردة فعل، حتى ولو دفاعية، وغيرت موازين الردع في المنطقة، وساهمت في دب الرعب والخوف في نفوس جيش العدو والهروب من ساحات المواجهة ، كما تعد المقاومة العدو بمزيد من المواجهات وتحقيق المزيد من الانتصارات في حال تجرأ هذا العدو واقدم على شن عدوان جديد على ارضنا وشعبنا ومقاومتنا ….هذه الانتصارات الباهره ارست وعمقت خيار المقاومة وثقافة المقاومة في صفوف شبابنا وتطلعات اطفالنا، ابطال الغد ، وزرعت في قلوبهم الامل والثقة بغد مشرق ومنير وعزيز.
-
كما تتجلى الصورة المشرقة بالمقاومة الصاعدة في بلاد الرافدين وعلى ارض العراق المغتصب من قبل اعتى جيش في العالم، الجيش الاميركي البشع، حيث سطرت المقاومة العربية في العراق المزيد من الضربات الموجعه لهذا العدو والحقت به المزيد من الخسائر ، ووضعت سياسته وسياسة حلفائه في مأزق ، وبات يبحث جاهدا” عن مخرج مشرف له، ولن يكون مشرفا”.
لا شك بان المقاومات العربية ،اليوم وعبر التاريخ ، حققت انتصارات على اعداء الامة من الداخل والخارج، كما لا تزال تلحق الضربات الموجعه بهذا العدو وتهدد امنه واستقراره….الا انه لا يزال يوجد معوقات تحول دون تطور المقاومة وتقدمها. واذا لم تحسن قوى المقاومة من جهة ، وحركات التحرر والأحزاب والهيئات والمنظمات والشارع العربي وكل القوى الداعمة لخيار المقاومة، اذا لم تحسن،كل هذه الجبهة العريضة،كيفية التصدي لهذه المعوقات و العمل الجدي عل تفنيد عناصر قوتها و مواقع ضعفها ، وبالتالي ،دحضها ودحرها والقضاء عليها ،فانها ستبقى في دائرة الخطر.
ان أي مقاومة عربية،مهما امتلكت من عناصر قوة، وفي ظل مناخ التجزئة والانقسام السائدين، وفي ظل جملة التحديات الداخلية المعيقة والاقليمية والدولية المعادية، اذا لم تعمل عل تطوير برامجها السياسية والثقافية والفكرية ورؤيتها العامة، وتحالفاتها ، وتعمق وترسخ اوضاعها، وتجاهد في سبيل وحدتها وانخراطها الجدي ،بوعي مطابق لحاجات الامة وتطلعات شعوبها، في نطاق حركة تحرر عربية جديدة واحدة قوية وقادرة ومتماسكة، متطورة وعصرية، فانها ستبقى اسيرة منطقها الضيق ومهددة بأخطر العواقب.
وهذا يتطلب المزيد من التفاعل والحوار والتواصل والتكامل بين صفوف حركات المقاومة العربية من جهة وبينها وبين كل قوى التغيير الحقيقية والممانعة المعارضة على مختلف الساحات العربية من جهة أخرى، بهدف الاندماج والوحدة ، والعمل، بثقة وبدون اوهام ورؤى ضيقة الأفق ، لاطلاق حركة التحرر العربية الوطنية التقدمية القادرة على تغيير مختلف المناخات السياسية السائدة، والولوج في عبور طريق النهضة العربية الشاملة، التي تبقى حلم الاجيال العربية وكل الأحرار العرب.
فالى مزيد من الوعي واليقظة لمواجهة كافة مشاريع الفتن التي تطلق من هنا وهناك ، ويعمل العدو عل تأجيجها بين ابناء الشعب الواحد.
ولتتظافر كافة الجهود لمواجهة الانقسامات العامودية التي تنخر بنيتنا الاجتماعية وتعيق مشروع بناء دولتنا القومية.
ولتتوحد الجهود لمواجهة السياسات المشبوهة لأنظمة وحكام عرب مرتبطين بالمشاريع الاميركية_الصهيونية.
نعم لوحدة القوى العربيىة التقدمية والثورية المناضلة ضد كل العفن المنغرز في جسد الأمة .وضد كل الخارح الطامع بثرواتها.
لا لسياسات التوطين، ونعم لحق العودة لكامل الشعب الفلسطيني في الشتات الى ارضه المغتصبة .
نعم لاقرار الحقوق المدنية الكاملة لاهلنا في المخيمات الفلسطينية على مساحة الوطن العربي ….وكفى ذلا” واذلالا” لهذا الشعب العظيم المكافح والمناضل في سبيل تحرير ارضه واستعادة حقوقه، والعيش بكرامة……وما احلى العيش بكرامة
أسد زين غندور
في ٢٠٢٣/٣/٣٠ .